قال ولما كانت المعرفة برؤية الهلال في أوائل الشهور وأواخرها من أنفع ما تقدمت به المعرفة إذ كان تاريخ العرب وأوائل شهورهم يجري على رؤية الأهلة وعلم ذلك على الحقيقة فيه بعض الصعوبة من جهات شتى منها قرب القمر وبعده من الشمس وبعده من الأرض واختلاف عرض القمر في الجهة الشمالية والجنوبية ثم اختلاف المنظر الذي يعرض في طول القمر وعرضه في كل بلد وقصر مطالع ومغارب البروج في الأقاليم وطولها وكثرة الضوء فيه وقلته. ولذلك ما وقع من الخطأ في معرفة رؤية الأهلة على قوم التمسوا علم ذلك من أهل زماننا وقصروا عن بلوغ حقائق الأشياء حتى وهموا أن بعد الكوكب عن معدل النهار وعرض الكوكب يخرجان معاً من قوس واحدة وعملوا على أن اختلاف منظر القمر ليس من قبل اختلافه في دائرة الارتفاع وإنه مما يقع ببعده عن وسط السماء بدرج البروج وضربوا قسياً في أوتار مع أصول تقدمت لهم لا يوجبها القياس ولا تصح بالبرهان. وأما القدماء فإنهم لم يكونوا مضطرين إلى علم ذلك لأن التأريخ عندهم والذين يعملون عليه سنو الشمس لن أوائل الشهور القمرية عندهم بأوقات الاجتماعات التي يدل على حقيقتها الحساب ولذلك ما ألقوا ذكره مع كثرة ما يعرض فيه مما ذكرنا إلا بالفول المطلق فإنهم ذكروا انه لا يمكن أن يرى الهلال لأقل من يوم وليلة وإذا تقصيت أسباب الرؤية وجد هذا القول هو الأصل الذي يعمل عليه وذلك أن مقدار الرؤية الموجود بالأرصاد وإن كان مقارباً للمقدار الذي يظهر بهذه الجهة المذكورة فإنه إذا ميز المر فيه علم أنه لا يمكن إدراكه على أحق حقيقته وإن الذي يدرك منه إنما يدرك بالتقريب. ولما كانت المعرفة برؤية الهلال الموجود بالرصد إنما تصح من قبل أقدار القسي من معدل النهار التي تكون بين الشمس والقمر عند طلوع الشمس أو غروبها إذا رصدت هذه القسي في أحد الأقاليم فعلم المقدار في إقليم واحد وإذا علم ذلك في إقليم واحد كان ذلك معلوماً في سائر الأقاليم هو الذي تجتمع آراء الناس عليه في مقدار قوس الرؤية وهو على ما وجدنا بالرصد اثنا عشر جزءاً من أزمان معدل النهار بالتقريب وقد وضح ان مسير القمر إذا فارق الشمس يكون في اليوم والليلة إذا ما اسقط منه مسير الشمس الأوسط في اليوم والليلة اثني عشر جزءاً وإحدى عشرة دقيقة وهو بالمقدار البعد الذي يقع بين الشمس والقمر بأجزاء البروج وذلك موافق لما يؤخذ بالرصد بالتقريب إذا كانت هذه الأجزاء من معدل النهار ومن البين أن مقدار هذه الأزمان المذكورة يكون قريباً من أربعة أخماس ساعة ونجد سبق القمر للشمس مثل هذا المقدار من الساعة المعتدلة قريباً من خمسي جزء فإذا غابت الشمس وبينها وبين القمر أزمان معدل النهار أحد عشر ونصف وربع بالتقريب لم يغب القمر حتى تستكمل الاثني عشر جزءاً والإحدى عشرة دقيقة ولذلك يكون قوس الرؤية الوسطى على هذا القياس أحد عشر جزءاً ونصف وربع جزء من أزمان معدل النهار التي هي مطالع ومغارب البروج في البلدان. والذي يضيء من دائرة القمر إذا كان بعد القمر عن الشمس بمقدار هذه الجزاء من فلك البروج يكون قريباً من أربعة أخماس جزء إذا كان جميع دائرة القمر اثني عشر جزءاً. وقد يبعد القمر عن الشمس أكثر واقل من هذا المقدار في أوقات الرؤية فيكثر الضوء فيه ويقل بحسب أقدار البعد فيرى على أقل من هذه القوس وأكثر ومع ذلك فقد يقرب من الأرض ويبعد عند تلك الأوقات من قبل موضعه من فلك التدوير فيكون ذلك زيادة في هذه الأقدار ونقصاناً منها.