ومنتقى الدر ومختاره ... من لفظه له علينا نثار
وملتقى الأبحر في كفه ... يغني عن السحب النقال الغزار
بحر علوم رائق صفوه ... صدراً تراه مجمعاً للبحار
في حلبة الفضل إذا ما عدا ... هيهات أن ينشق منه الغبار
وإن جرى في طرسه أجرد ... علم أهل الفضل كيف المغار
إن جال طرف الطرف في مبحث ... تمتلئ الآفاق نقعاً مثار
وفي سوى منزله ما ترى ... لذي كمال أبداً من قرار
ذو شيم شم إذا جسمت ... كانت لوجه الدهر أبهى عذار
لا يعرف الفضل سوى أهله ... وهل سواه من يقيل العثار
دام على مخلصه مسبلاً ... من عفوه الشامل ذيل الإزار
ما صدحت ورق على بانة ... وغرد القمري وغنى الهزار
وجاءني. من حضرة مبتكر المعاني. من أيام منادمته ربيع عمري. عبد الباقي أفندي الموصلي العمري. ولله تعالى منه سمسار ابتكار ملأ بيواقيت المعاني مصانع حوانيت الألفاظ. فروج قس براعته على أورق ورق دقائقه مجامع سوق عكاظ. شقة أذهبت عني المشقة. وملكت رقبة فؤادي وره. وهي) أعرض لحضرة المولى الشهاب. المستغني عن فقراتي وبقراءتي في سرحها بهذه الرحاب. جمع الله تعالى به شمل الكل. وأعاد بعوده روح النبل. آمين (أنه مع ما نحن فيه من التلهف. ومزيد الأسى والتأسف. قد زادنا ولوعاً. ومنعنا هجوعاً. عدم اطلاعنا على ما أنتم فيه من الحال. وعدم ذوق القوة الشامة ثمرة ما عناكم من الحل والارتحال. نعم نسمع من الأفواه ما نقر به عينا تارة. وتلوح عليه من بلوغ الأمل إمارة. نرجوه تعالى لكم تحقيق ذلك. وبلوغكم من الأمنية فوق ما هنالك. ولو اطلعت على ما تأسس لك بهذه المدة في قلوب الخاصة والعامة. من المحبة المتزايدة والمودة الكاملة التامة. لتحققت من أهل العراق. وقاطبة ذوي الخلاف والوفاق. ببلوغ الأمل. ولقنعت من الغنيمة بعد الكد بالقفل. والأسى من الجميع. العالي والوضيع. كل ساعة عليك في زيادة. واعترف الكل بفضلك ولمزيد الثناء عليك يا أبا الثنا ثني الوسادة. لا زلت مركزاً للسيادة. وقطباً للسعادة. إلى آخر ما قال. حفظه الملك المتعال. وكتب في صدر هذا الكتاب بيتين. يلوحان في سماء الفصاحة كفرقدين:
أبو الثناء شهاب الدين مدحته ... فرض ومدح سواه غير مندوب
فيا له من شهاب ثاقب وأنا ... أنظم الدر فيه غير مثقوب
وأرسل مع ذلك تخاميس لأبياتي السابقة. والعجب من الإقدام على تخميسها مع أنها ليست بفائقة. وقد كتب في صدرها. لشرح مبهم أمرها. لعمر العمري لقد أبدع الأديب السيد عبد الغفار. نابغة الإعصار في جميع الديار. في هذا التخميس. الواقع على هذا الأصل النفيس. ولقد أنشدته يوم طلوع البوستة في منزلي المعمور بالوحشة. المغمور بالدهشة. المقفر من الأنس. الخالي من الإنس. والمجلس غاص. بمن تعلم من بقية الخواص. وهم حضرة عبد الغني أفندي. ونقيب أفندي. وشعبان بك أفندي. وواعظ أفندي. وعبد اللطيف أغا فأجهش الكل بالبكاء. وتنفس الصعداء. وسالت بالأعين الدموع. ولم يكن يكفكفها إلا مناديل الولوع. والتخميس هو هذا:
عليكم دموع العين لا زال تنهل ... ووجدي بكم وجد المفارق لا يسلو
وهاأنا من فقدانكم ما دجى الليل ... ) أبيت ولي وجد حرارته تعلو (
) ودمع له في عارضي عارض هطل (
شغلت بهذا الوجد قلباً مجذذاً ... ولم أر لي من شاغل الدمع منقذا
إلام أعاني ما أعانيه من أذى ... ) وأطوي على جمر وأغضي عن قذى (
) وأشغل أعضائي وقلبي له شغل (
أقضي نهاري في عسى ولربما ... وأبكي عليكم كل آونة دما
وأني وعيشٍ فيكم قد تصرما ... ) إذا الليل وافى ضقت ذرعاً إلى الحمى (
) وفاضت شؤون ليس يعقلها العقل (
شجاني حديث بالبوار مصرح ... وأوضح لي حال الرصافة موضح
فمن ثم أن يفصح وللشوق مفصح ... ) حداني إلى الزوراء شوق مبرح (
) فليس الذي حدثت عن حالها سهل (
وقالوا نبت لكن بأرباب فضلها ... وجادت على أشرافها بعد عدلها
وقلت فلا مأوى إلى غير ظلها ... ) إذا ما نبت دار السلام بأهلها (
) فلا جبل يأوي الكرام ولا سهل (
على ما أصيبت من عظيم مصابها ... وما أذنت أحداثها بخرابها