ونقله عنه الشيخ عبد الوهاب الشعراني في الجواهر وجعل القرابين من قسم ما استعمل في سبيل الله تعالى ولم يضطرب في ذلك كما اضطرب في أمر فرعون. وربما يستأنس في أمر القرابين خاصةً لما اقتضاه كلام هذا الأجل. ولا أقول) وهيهات هيهات أن أقول (يستدل بقوله عليه الصلوة والسلام عظموا ضحاياكم. فإنها على الصراط مطاياكم. فإنه يبعد من كرم الله تعالى أن لا يدخل مطايا أحبته. دار كرامته ورحمته. بل يأمرها فتوصلهم إلى الباب. ثم يجعلها تراباً كما يجعل الخنازير والكلاب. مع أن إدخالها الجنة مع الأحباء. أغيظ لمن يسحب على وجهه إلى النار من الأعداء. ولما سمع البعض ذلك رضى غاية الرضى. بيد أنه استكتبني عبارة الفتوحات فأخذها ومضى. وقال بعض منهم ما الجواب إن كان السائل لا يستحسن ذبح الحيوان للقربان أو لطعام. فقلت ذلك من الطعام. ولا أظن مسلماً لا يستحسنه بعد ورود الأمر به في سائر الشرائع كشريعته عليه الصلوة والسلام. على أن الرد على من لم يستحسن قد طوى بساطه. وانقطع هياطه ومياطه. ومن أراد استيفاء المرام. فليرجع إلى كتب الكلام. فقنع الكل بما ذكرت. ولم يناقش أحد منهم فيما قررت. بل قبلوه بترابه. وأقبلوا عليه بما به. وبعد ساعة. تفرقت الجماعة. وذهبت أنا إلى داري. وخلوت فيها غواني أفكاري. وبعد خمسة أو ستة أيام. ذهبت حسب عادتي إلى حضرة شيخ الإسلام. فناولني ورقتين. مشتملتين على عبارتين. إحداهما ما ذكرناه عن الفتوحات المكية. وثانيتهما عبارة معزية لمولانا الجامي متضمنة أن إبليس عبارة عن القوة الوهمية. فقال ما تقول في هاتين العبارتين. فقلت أحدهما على أعراف الرد والقبول والأخرى في نار الرد بلامين. فقال فلم تحررهما. وفي المحافل على رؤوس الأشهاد تقررهما. فقلت يا سيدي إنما قررت ما في الفتوحات المكية. وليس فيها ما يصادم قطعياً من الآيات السماوية. والواردات المدنية. وأما مسألة إبليس فلا والله ما ذكرتها. ولا عمري في ورقة لأحد حررتها. بل لم أذكر إبليس. منذ دخلت فروق عند جليس. فتبسم ضاحكاً وقال لي مفاكهاً جاءني بالأمس رجل من المدرسين بهاتين الورقتين. وقال إن الآلوسي حررهما وقبل ما ذكر فيهما على الرأس والعين. فقلت يا سيدي حضرتكم تعرف خطي. وأنا لم أزل مبتلى بمثل هذا التزوير في رفعي وحطي. وعند شكري أفندي حقيقة الخبر من مبتدأه. فأمر أحداً يسأله عنه ولا حول ولا قوة إلا بالله. فقال اذكر لي أنت الخبر من المبتدأ. ولا أسأل عنه سواك أحداً. فذكرت له الأمر بلاً بلا. وعرضت عليه ما كان فصلاً فصلا. فقال هذه شنشنة قديمة من الحساد. ومصيبة عظيمة أصيب بها كثير من العلماء الأمجاد. فقلت حسبي ربي من تزوير ملأ الملأ. وأعوذ سبحانه من جليس إن قلت قال وإن سكت تقولا. ثم قلت لنفسي. ولم يشعر بي غير حسي:
لمن جاهد الحساد أجر المجاهد ... وأعجز ما حاولت إرضاء حاسد
ولم أر مثلي اليوم أكثر حاسداً ... كأن قلوب الناس لي قلب واحد
ألم ير هذا الناس قبلي فاضلاً ... ولم يظفر الحساد قبلي بماجد
أرى الغل من تحت النفاق وأجتني ... من العسل ألماً ذي سم الأساود
وأصبر على ما لم يجلب الصبر ذلة ... وألبس للمذموم حلة حامد
وأعلم إن فارقت خلاً عرفته ... وحاولت خلاً أنني غير واجد
إلى غير ذلك من أبيات غنيتها بها. حتى طبقت جفنيها على قذى. ونامت إذا عدمت فراش راحة على فراش أذى. وقد صح عندي أن هذه الطبيعة الشيطانية. شعار ودثار لبعض مدرسي القسطنطينية. وأنهم لم يزالوا يجمعون حجر الباطل ويرمون به برياً. ويبغضون لا در درهم كل من يرد على بلدهم من الأفاضل ولو كان نبياً. وأن رؤية العالم العربي في أعينهم الموت الأحمر. وأن صحبته ولو مقدار ذرة في اعتقادهم الذنب الأكبر. والشرك الذي لا يغفر. فإذا دخلت فروق فلا تقرب مأواهم. وابعد عنهم ما استطعت وإياك وإياهم. وعليك إن أردت مصاحبة بمصاحبة العوام. فإنك تقوم وتقعد معهم في أمان الله عز وجل والسلام. وفي هذه الحكاية. لذوي الفطن كفاية.