قد أنصفناك في الاستيفاءلك، والتبليغ عنك، ولسنا نُنكِر كثيراً مما قلتَه، ولا نردّ اليسير مما ادّعيته، غير أن لخصمك حُجَجاً تُقابل حُجَجك، ومقالاً لا يقصّر عن مقالك. وزعم خصمُك أنك وأصحابك وكثيراً منكم لا يعرف من السَّرَق إلا اسمَه، فإن تجاوزه حصل على ظاهره، ووقف عند أوائله؛ فإن استُثبتَ فيه، وكُشِف عنه، وُجد عارياً من معرفة واضحهِ، فضلاً عن غامضه، وبعيداً من جليه، قبل الوصول الى مُشكله؛ وهذا باب لا ينهض به إلا الناقد البصير، والعالم المبرِّز. وليس كل من تعرّض له أدركه استوفاه واستكمله. ولستَ تعدّ من جهابذة الكلام، ونُقّاد الشعر، حتى تميّز بين أصنافه وأقسامِه، وتحيط علماً برُتَبه ومنازله، فتفصل بين السرق والغصْب، وبين الإغارة والاختلاس، وتعرف الإلمام من الملاحظة، وتفرِق بين المشترك الذي لا يجوز ادّعاء السّرَق فيه، والمبتذل الذي ليس أحدٌ أولى به، وبين المختصّ الذي حازه المبتدئ فملكه، وأحياه السابق فاقتطعه، فصار المعتدي مُختلساً سارقاً، والمشارِك له محتذياً تابعاً، وتعرف اللفظ الذي يجوز أن يقال فيه: أُخذ ونقل، والكلمة التي يصح أن يقال فيها: هي لفلان دون فلان.
فمتى نظرت فرأيت أن تشبيه الحسَن بالشمس والبدر، والجواد بالغيث والبحر، والبليد البطيء بالحجر والحمار، والشجاع الماضي بالسيف والنار، والصبّ المستهام بالمخبول في حيرته، والسليم في سَهره، والسقيم في أنينه وتألّمه، أمور متقررة في النفوس، متصورة في العقول، يشتركُ فيها الناطق والأبكم، والفصيح والأعجم،