ثم أعود الى نسق الكتاب وأكتفي بما قدّمته من هفوات أبي تمام وإن كان ما أغفلته أضعاف ما أثبتّه؛ إذ البغْية فيه الاعتذار لأبي الطيب، لا النّعي على أبي تمام. وإنما خصَصْتُ أبا نُواس وأبا تمام لأجمع لك بين سيّدي المطبوعين، وإمامَي أهل الصنعة، وأريك أن فضلَهما لم يحمِهما من زلل، وإحسانهما لم يصفُ من كدَر؛ فإن أنصفتَ فلك فيهما عبرة ومَقنع، وإن لججت فما تُغْني الآياتُ والنّذر عن قومٍ لا يؤمنون.
وقد رأيتك - وفقك الله - لما احتفلت وتعمّلت، وجمعت أعوانك واحتشدت، وتصفّحت هذا الديوان حرفاً حرفاً، واستعرضته بيتاً بيتاً، وقلّبته ظَهراً وبطْناً، لم تزد على أحرف تلقّطَتها، وألفاظ تمحّلَتها، ادّعيت في بعضها الغلط واللحن، وفي أخرى الاختلال والإحالة، ووصفت بعضاً بالتّعسّف والغثاثة، وبعضاً بالضّعف والركاكة، وبعضاً بالتعدي في الاستعارة؛ ثم تعدّيت بهذه السمة الى جملة شعره، فأسقطت القصيدة من أجل البيت، ونفيت الديوان لأجل القصيدة، وعجّلت بالحُكم قبل استيفاء الحجة، وأبرمت القضاء قبل امتحان الشهادة، فعبت قوله:
فتًى ألفُ جُزء رأيُه في زمانه ... وما قَلّ جُزء بعضُه الرأي أجمَعُ
وقوله:
ومن جاهل بي وهْو يجهَل جهلَه ... ويجهلُ عِلمي أنه بيَ جاهِلُ