ثم نعدل الى ما تكلفناه في هذه الوساطة فنقول: إن خصْم هذا الرجل فريقان: أحدهما يعمّ بالنقص كلّ مُحدَث، ولا يرى الشعر إلا القديمَ الجاهلي وما سُلك به ذلك المنهج، وأُجرِي على تلك الطريقة؛ ويزعم أن ساقة الشعراء رؤبة، وابن هَرْمة، وابن ميّادة، والحَكَم الخُضْري، فإذا انتهى الى من بعدهم - كبشّار وأبي نواس وطبقتهم - سمّى شعرهم مُلَحاً وطُرَفاً، واستحسن منه البيتَ استحسانَ النادرة، وأجراه مجرى الفكاهة؛ فإذا نزلت به الى أبي تمام وأضرابه نفَضَ يده، وأقسم واجتهد أن القوم لم يقرِضوا بيتاً قطّ، ولم يقعوا من الشعر إلا بالبعد.
ومن كان هذا رأيهُ ومذهبُه، وهذه دعواه ونِحْلته فقد أعطاك ما أردت من وجهٍ وإن مانعك سواه، وسمح لك بما التمست وإن التوى عليك في غيره؛ لأن الذي انتصبْت له، وشغلتَ عنايتك به - إلحاقُ أبي الطيب بهذه الطبقة، وإضافتُه الى هذه الجملة، وقد بذل ذلك، وقرّب مطلبه عليك؛ فإن تكن الجماعة منسلخةً من الشعر، موسومة بالنقص، مستحقة للنفي، فصاحبك أولُهم؛ وإن تكن قد علِقَتْ منه بسبب، وحظِيت منه بطائل، وكان له فيه قدم، ومنه حظ وموقع، فهو كأحدهم.
وليس الحكم بين القدماء والمولدين من التوسط بين المحدث والمُحدَث بسبيل؛ كما لا نسب بينه وبين تفضيل قديم على قديم، وإنما يستعتِب لك هذه المخاطبة مَنْ وافقك على فضل أبي تمام وحزبه، وسلّم محل مسلم ومنْ بعده، فتجعل هؤلاء شهودك وحججك، وتقيم شعرهم حكماً بينه وبينك؛ فإنك لا تدّعي لأبي الطيب طريقةَ بشار