ولو تأملت شعر أبي نواس حقّ التأمل، ثم وازنت بين انحطاطه وارتفاعه، وعددتَ منفيّه ومختاره، لعظّمتَ من قدْر صاحبنا ما صغّرت، ولأكبرت من شأنه ما استحقرت، ولعلمت أنك لا ترى لقديم ولا محدَث شعراً أعم اختلالاً، وأقبح تفاوتاً، وأبين اضطراباً، وأكثر سفسفة، وأشد سقوطاً من شعره هذا؛ وهو الشيخ المقدّم والإمام المفضّل الذي شهد له خلَف وأبو عبيدة والأصمعي، وفسر ديوانه ابنُ السكيت؛ فهل طمست معايبه محاسنَه؟ وهل نقص رديُّه من قدر جيده؟ وهل ضرّ قوله:
يحميك مما يستسر بفعله ... ضحكاتُ وجه لا يَريبُك مشرقِ
حتى إذا أمضى عزيمة أمره ... أخذت بسَمْعِ عدوِّه والمنطقِ
وقوله:
يا ناقُ لا تسأمي أو تبلُغي ملكا ... تقبيلُ راحته والركن سيّانِ
متى تحطّي إليه الرّحْل سالمةً ... تستجمعي الخلْق في تمثال إنسانِ
وقوله:
لعمرك ما غاب الأمينُ محمدٌ ... عن الشيء يعْنيه إذا حضر الفضلُ
ولولا مواريثُ الخلافة أنها ... له دونه ما كان بينهما فضْلُ
فإن كانت الأحساب فيها تباينٌ ... فقولُهما قولٌ وفعلُهما فعلُ
أرى الفضْل للدنيا وللدين جامعاً ... كما السهمُ فيه الفوقُ والرّيشُ والنّصْل