للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

فكيف ملتم على أبي الطيب لإفراطه في قوله:

ذِراعاها عدوّاً دُملُجَيها ... يظنّ ضجيعُها الزّند الضّجيعا

إذا ساغ للمتقدم أن يقول:

فلما جئته أعلى محلّي ... وأجلسني على السّبعِ الشِّداد

فأما ما جرى مجرى قول أبي نواس:

وأخفْتَ أهلَ الشِّركِ حتى إنّه ... لتخافُك النُّطَفُ التي لم تخلَق

فهو من المحال الفاسد، وله باب غير هذا، وكل هذا عند أهل العلم مَعيب مردود، ومنفي مرذول، وإن كان أهل الإغراب وأصحاب البديع من المحدَثين قد لهِجوا به واستحسنوه، وتنافسوا فيه؛ وبارَى بعضُهم بعضاً به.

ولسنا نذهب بما نذكره في هذا الباب مذهب الاحتجاج والتحسين، ولا نقصد به قصد العُذْر والتسويغ؛ وإنما نقول: إنه عيب مشترك، وذنب مقتَسَم، فإن احتمل فللكل، وإن رُدّ فعلى الجميع، وإنما حظ أبي الطيب فيه حظ واحد من عرض الشعراء، وموقعه منه موقع رجل من المحدثين.

فأما الاستعارة فهي أحد أعمِدة الكلام، وعليها المعوَّل في التوسّع والتصرف، وبها يتوصل الى تزيين اللفظ وتحسين النظم والنثر، وقد قدمنا عند ذكرنا البديع نُبذاً منها مثلنا بها المُستَحسَن والمستقبح، وفصلنا بين المقتصِد والمفرِط.

<<  <   >  >>