للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

عَناء لا يُجدي، وتعبٌ لا ينفَع؛ كأنه لم يسمع ما شحَنَت به العربُ أشعارَها من وصف ركْضِ المنهزم، وإسراع الهارب، وتقصير الطّالب، وقولهم: إنّ الذي نجّى فلاناً كرمُ فرسه، والذي ثبطني عنه سرعةُ طِرْفه، ولم يعلم أنّ مذاهبَ العرب المحمودة عندهم، الممدوحَ بها شجعانهم التفضلُ عند اللقاء، وترك التحصن في الحرب، وأنهم يرون الاستظهار بالجنَن ضرباً من الجبن، وكثرة الاحتفال والتأهّب دليلاً على الوهن، ولم يسمع قول الأعشى:

وإذا تكون كتيبة ملموسة ... خرساء يخشى الدارعون نِزالَها

كنت المقدَّمَ غير لابس جُنّة ... بالسيف تضرب معلماً أبطالها

ولما أنشد كثيّر عبدَ الملك بن مروان:

على ابن أبي العاصي دِلاصٌ حصينةٌ ... أجاد المسدّي سرْدَها وأذالَها

قال له عبد الملك: وصفتني بالجُبن! هلاّ قلت كما قال الأعشى، وذكر البيتين المتقدمين: فقال: وصفْتُك بالحزْم ووصَفه بالخُرْق. وأنشد الأصمعي قول مزَرِّد بن ضِرار:

ومسفوحةٌ فضْفاضةٌ تُبّعيّةٌ ... وآها القَتيرُ تجتَويها المعابِلُ

دِلاصٌ كظهْر النّونِ لا يستطيعُها ... سِنانٌ ولا تلك الحِظاءُ الدّواخلُ

موشّحٌ بيضاءُ دانٍ حبيكُها ... لها حلَقٌ بعد الأنامِلِ فاضِلُ

<<  <   >  >>