للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

هذا المعنى، ثم ابتدأ بالمصراع الثاني مستفهماً فما في هذا من العيب! وقال بعضهم: قد يفعلُ الشاعر مثل هذا في النسيب خاصة ليدلّ به على تمكّن الشوق منه، وغلبة الحب عليه، وليرى أن آثار الاختلاط ظاهرة في كلامه، وأنه مشغول عن تقويم خطابه، قالوا: ولذلك قال:

أغِذاء ذا الرّشإ الأغنّ الشيحُ

وجعلوا من هذا الباب قول زهير:

قِف بالدّيار التي لم يعفُها القدَمُ ... بلى وغيّرَها الأرواحُ والدّيمُ

فنقض بالمصراع الثاني الأول ولم يحفل بتكذيب نفسه، وأنكر هؤلاء قول من ذهب الى أن معنى البيت أن القدم لم يعفُها، وإنما غيّرها الأرواح والدّيَم. ومن النّقض الظاهر قول بشار:

لم يطُل ليلي ولكن لم أنم ... ونفى عني الكرى طيفٌ ألم

فقال: لم أنم، ثم زعم أن الطيف ألمّ به، وهو لا يُلمّ إلا بنائم. وقال غيره إن بين المصراعين اتصالاً لطيفاً، وهو أنه لما أخبر عن عظم تبريحه، وشدّة أسفه بيّن أن الذي أورثه التبريح والأسف وهدَى إليه الشوق والقلق هو الأغنّ الذي شكّكه غلبة شِبْه الغِزلان عليه في غذائه، وهذا الاعتذار قريب.

وعابوا له:

أمطِ عنك تشبيهي بما وكأنّه ... فلا أحدٌ فوقي ولا أحدٌ مثلي

فقالوا: إنما يشبه من الأسماء بمِثل وشِبه ونحوهما، ومن الأدوات بالكاف، ثم تدخل على أنّ فيقال: كأنه الأسد، وقد تقرّب العرب التشبيه بأن تجعل أحد الشيئين

<<  <   >  >>