لفضيلة الدكتور/ عبد الْمُنعم السَّيِّد نجم. الْأُسْتَاذ المشارك وَرَئِيس قسم عُلُوم الحَدِيث بالجامعة الإسلامية.
علم الْجرْح وَالتَّعْدِيل:
من الْمَعْلُوم لَدَى الْمُسلمين جَمِيعًا أَن السّنة المشرفة هِيَ مصدر دينهم بعد كتاب رَبهم وَهِي منَاط عزهم ولولاها مَا رَاح مُسلم وَلَا جَاءَ.
وَقد تكفلت بِبَيَان الْقُرْآن وإبراز محتواه إِلَى النَّاس لِأَن الَّذِي تحدث بهَا هُوَ الَّذِي جَاءَ بِالْقُرْآنِ من عِنْد الله وَهُوَ أدرى بِهِ، وَعَلِيهِ فَالسنة هِيَ الأَصْل الثَّانِي للشريعة وَالْقُرْآن هُوَ الأَصْل الأول كَمَا تقدم، ومنكر الأَصْل الثَّانِي مُنكر للْأَصْل الأول لِأَنَّهُ أَمر بِالْأَخْذِ بِالثَّانِي وبإنكاره يكون قد خلع ربقة الْإِسْلَام من عُنُقه.
وَلما كَانَت السّنة بِهَذِهِ الأهمية أَمر النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بحفظها وتبليغها على وَجههَا كَمَا سَمِعت وَنهى عَن الْكَذِب فِي الْأَخْبَار عَنهُ وتوعد فَاعله مقْعدا فِي النَّار وَلِأَن نِسْبَة الْخَبَر إِلَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم شرع يعْمل بِهِ وَكذب عَلَيْهِ لَيْسَ ككذب على غَيره، وَمن هُنَا قَامَ جمَاعَة من الْأَئِمَّة بحفظها فِي الصُّدُور وتدوينها فِي السطور وَقَطعُوا فِي سَبِيل ذَلِك الفيافي والقفار وواصلوا اللَّيْل بِالنَّهَارِ واعتبروا ذَلِك من أوجب الْوَاجِبَات عَلَيْهِم، وعَلى قَاعِدَة الْحِفْظ والتبليغ مَعَ الْأَمَانَة والصدق والبعد عَن الْكَذِب الْمشَار إِلَيْهَا حرص الْعلمَاء على الْوُقُوف على أَحْوَال الروَاة بالبحث عَن مواليدهم وأسمائهم وَكُنَاهُمْ وألقابهم وبلدانهم ورحلاتهم وأمانتهم وثقتهم وعدالتهم وضبطهم وَغير ذَلِك من كذب أَو غَفلَة أَو عِلّة أَو نِسْيَان وَمَا إِلَى ذَلِك وَوَضَعُوا كل وَاحِد مِنْهُم مادام قد تصدى للرواية فِي سجل يجمع كل هَذَا حَتَّى يعرف من كَانَ من أهل الشَّأْن من غَيره.
وَمن هُنَا نَشأ علم الْجرْح وَالتَّعْدِيل أَو علم فحص الرِّجَال أَو علم ميزَان أَو معيار الروَاة.. وَقَامَ جمَاعَة من الْأَئِمَّة بِهَذِهِ المهمة الجليلة الَّتِي سنّهَا لَهُم النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَمَشى عَلَيْهَا الصَّحَابَة عَلَيْهِم الرضْوَان، وَعلم الْجرْح وَالتَّعْدِيل علم جليل الْقدر من أجل الْعُلُوم الَّتِي نشأت بنشأة حفظ السّنة وتدوينها بعيدَة عَن الْخلَل والزيف. وَهُوَ علم لَا نَعْرِف لَهُ نَظِير فِي تَارِيخ الْأُمَم الْأُخْرَى. واستطاع الْعلمَاء بِهَذَا الْعلم الْوُقُوف على أَحْوَال الروَاة وميزوا بَين الصَّحِيح وَغَيره من الْأَخْبَار، فجندوا أنفسهم لاختبار من يعاصرونهم من الروَاة وَلم يكتفوا بذلك بل ويسألونهم عَن السَّابِقين مِمَّن لم يعاصروهم ويعلنوا رَأْيهمْ فيهم دون تحرج ومأثم إِذْ كَانَ ذَلِك ذبا عَن دين الله وَسنة رَسُوله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم؛ وَقد قيل لأبي عبد الله البُخَارِيّ إِن بعض النَّاس ينقمون عَلَيْك التَّارِيخ يَقُولُونَ فِيهِ اغتياب النَّاس فَقَالَ:"لَا إِنَّمَا روينَا ذَلِك رِوَايَة وَلم نَقله من عِنْد أَنْفُسنَا وَقد قَالَ صلى اللَه عَلَيْهِ وَسلم: "بئس أَخُو الْعَشِيرَة"