التقى الْوَرع.. روى الْخَطِيب الْبَغْدَادِيّ فِي كِفَايَته بِسَنَدِهِ عَن أَحْمد بن مُحَمَّد الْبَغْدَادِيّ قَالَ:- سَمِعت يحي بن معِين يَقُول:"آلَة الحَدِيث الصدْق والشهرة بِطَلَبِهِ وَترك الْبدع وَاجْتنَاب الْكَبَائِر".
الْبَيَان:
لما كَانَت السّنة هِيَ الصادرة عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من الْأَقْوَال وَالْأَفْعَال والتقريرات وَكَانَت الْبَيَان لكتاب الله والتشريع للنَّاس فِي كل زمَان وَمَكَان كَانَ لابد فِيهَا من أَن تكون وَارِدَة عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بطرِيق ثَابت ومنسوبة إِلَيْهِ نِسْبَة حَقِيقِيَّة، وَقد أَمر عَلَيْهِ السَّلَام بتبليغها عَنهُ وَنهى عَن الْكَذِب فِيهَا وَنقل الصَّحَابَة عَنهُ ذَلِك وَمَشوا عَلَيْهِ..
روى الْخَطِيب أَيْضا بِسَنَدِهِ عَن الْأَعْمَش عَن خَيْثَمَة عَن سُوَيْد قَالَ: قَالَ عَليّ بن أبي طَالب: "إِذا حدثتكم عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فوَاللَّه لِأَن أخر من السَّمَاء أحب إِلَيّ من أَن أكذب على رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم..وَإِذا حدثتكم فِيمَا بَيْننَا فَإِن الْحَرْب خدعة.." وَمن هُنَا احتاط الصَّحَابَة فِي الرِّوَايَة وَالْبَعْض مِنْهُم لم يكثر مِنْهَا خوف أَن يدْخل فِي الحَدِيث شَيْء لم يرد.. روى الْخَطِيب بِسَنَدِهِ عَن جَامع بن شَدَّاد قَالَ سَمِعت عَامر بن عبد الله بن الزبير يحدث عَن أَبِيه قَالَ:"قلت لأبي الزبير مَالِي لَا أَرَاك تحدث عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَمَا حدث فلَان وَفُلَان وَابْن مَسْعُود.." قَالَ: وَالله يَا بني مَا فارقته مُنْذُ أسلمت وَلَكِنِّي سمعته يَقُول: "من كذب عَليّ فَليَتَبَوَّأ مَقْعَده فِي النَّار.." وَمعنى هَذَا وَالله مَا قَالَ مُتَعَمدا وَأَنْتُم تَقولُونَ مُتَعَمدا.. وَمعنى هَذَا أَنه لَا بُد من الصدْق فِي الرِّوَايَة وَيحرم الْكَذِب فِيهَا عمدا وَغير عمد وَلَا يعْذر غير اليقظ فِيهَا.. قَالَ الْخَطِيب:"وَمن سلم من الْكَذِب وأتى شَيْئا من الْكَبَائِر فَهُوَ فَاسق يجب رد خَبره وَمن أَتَى صَغِيرَة فَلَيْسَ بفاسق، وَمن تَتَابَعَت مِنْهُ الصَّغَائِر وَكَثُرت رد خَبره.." وَقد رُوِيَ عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي بَيَان الْكَبَائِر عدَّة أَحَادِيث: "اجتنبوا السَّبع الموبقاتٍ" وَالْكذب على رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أعظم من الْكَذِب على غَيره..وَالْفِسْق بِهِ أظهر والوزر بِهِ أكبر.. وروى بن أبي حَاتِم فِي كتاب الْجرْح وَالتَّعْدِيل فِي تثبيت السّنَن بِنَقْل الروَاة لَهَا من قَول رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَأمره بِنَقْل الْأَخْبَار عَنهُ، روى بِسَنَدِهِ قَالَ أَخْبرنِي أبي نَا الْأَوْزَاعِيّ حَدثنِي حسان بن عَطِيَّة قَالَ حَدثنِي أَبُو كَبْشَة السَّلُولي قَالَ: سَمِعت عبد الله بن عَمْرو قَالَ: سَمِعت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول: "بلغُوا عني وَلَو آيَة وَحَدثُوا عَن بني إِسْرَائِيل وَلَا حرج وَمن كذب عَليّ مُتَعَمدا فَليَتَبَوَّأ مَقْعَده من النَّار". وروى بِسَنَدِهِ عَن عبد الله بن عَمْرو قَالَ: خرج إِلَيْنَا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم..وَنحن سكُوت لَا نتحدث فَقَالَ:"مَا يمنعكم من الحَدِيث" قُلْنَا سمعناك تَقول: من كذب عَليّ مُتَعَمدا فَليَتَبَوَّأ مَقْعَده من النَّار: "حدثوا عني وَلَا حرج.." وروى بِسَنَدِهِ عَن عَبَايَة بن رَافع بن خديج عَن رَافع قَالَ: مر بِنَا يَوْمًا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَنحن نتحدث فَقَالَ "مَا تتحدثون" قُلْنَا نتحدث عَنْك يَا رَسُول الله فَقَالَ: "حدثوا وليتبوأ من كذب عَليّ مَقْعَده من جَهَنَّم" وروى بِسَنَدِهِ عَن الْحَارِث بن عَمْرو قَالَ: أتيت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بمنى أَو بِعَرَفَات ثمَّ قَالَ: " أَيهَا النَّاس أَي يَوْم هَذَا وَأي شهر هَذَا قَالَ فَإِن دماءكم وَأَمْوَالكُمْ وَأَعْرَاضكُمْ عَلَيْكُم حرَام كَحُرْمَةِ يومكم وشهركم وبلدكم اللَّهُمَّ هَل بلغت فليبلغ الشَّاهِد الْغَائِب.."
بَيَان النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَن سنته ستنقل وَتقبل:
وَردت أَخْبَار مفادها أَن السّنة ستنقل عَن طَريقَة التَّحَمُّل والأداة بِرِوَايَة الْعُدُول فقد روى ابْن أبي حَاتِم بِسَنَدِهِ عَن عبد الرَّحْمَن بن أبي ليلى عَن ثَابت بن قيس قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: "تَسْمَعُونَ وَيسمع مِنْكُم وَيسمع مِمَّن يسمع مِنْكُم.." وروى بِسَنَدِهِ أَيْضا عَن سعيد بن جُبَير عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لأَصْحَابه: "تَسْمَعُونَ وَيسمع مِنْكُم وَيسمع مِمَّن يسمع مِنْكُم" وَرَوَاهُ عَنهُ بِثَلَاث طرق مثله وَهَذَا إِخْبَار من النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: أَن سنته ستشيع بَين النَّاس وتنقل من إِنْسَان لإِنْسَان.