ودخل أوس على زوجته مغضبا وكانت زوجته من بني عبس فقالت: من الرجل الذي وفد عليك فلم يقم، ولم ترحب به؟ قال ذاك الحارث بن عوف المري سيد ذبيان، قالت لم تستنزله؟ قال إنه استحمقني خاطبا مني، قالت لماذا لم تزوجه إحدى بناتك هذا سيد العرب؟ فلم تزل به، تجادله، حتى قالت له: تدارك ما كان منك فالحقه ورده، وقل له: إنك قد لقيتني وأنا مغضب بأمر دهمي قبل مجيئك، فارجع ولك ما أحببت، فلحقه أوس، ورجع الحارث مسرورا، فدخل على زوجته، قال: ادعى لي فلانة الكبرى من بناته، فأتته، فقال: يا بنية هذا الحارث بن عوف سيد من السادات قد جاءنا خاطبا، وقد أردت أن أزوجك منه، فماذا تقولين؟ فقالت لا تفعل، واعتذرت منه بكلام، وقالت في خلقي بعض الحدة، ولست ابنة عمه فيرحمني، وليس بجار لكم فيستحي منكم، فقال لها بارك الله فيك. ادعي لي بفلانة أختك الوسطى فدعتها، فقال لها مثل ما قال لأختها الكبرى، فردت عليه مثل ما قالت أختها الكبرى، وقالت: إني خرقاء وليست يدي صنّاعة، لا آمن أن يرى ما يكرهه فيطلقني، فقال: قومي بارك الله فيك، ادعي أختك بهيسة الصغرى فقال لها مثل ما قال لهما، فقالت: أنت وذلك، فقال: إني عرضت على أختيك، فقالت إني والله الجميلة وجها، والصنّاعة يدا، والرقيقة خلقا، والنجيبة أبا، فإن طلقني فلا خلف الله عليه خيرا.
فقال بارك الله فيك، ثم رجع إلى الحارث وزوجه إياها، وأصدقها من ماله مائة ناقة، وقال له: لا تبت عزبا هذه الليلة، ثم أمر ببيت فضرب له، وأدخلت عليه، ثم هنأه أوس وخرج. فقال لها أفرغت من شأنك؟ قالت لا والله، فمدّ يده إليها، فقالت مهلا، بين أبي وإخوتي؟ هذا لا يكون، ثم أمر بالرحيل فساروا، فقالت تقدم فاعدل بنا عن الطريق، فعدل عن الطريق فأناخ، ثم قال لها: أفرغت من شأنك؟ قالت لا والله، كما يفعل بالأمة الجبلية والسبية الأخيذة، لا والله، حتى تنحر الجزر، وتذبح الغنم، وتدعو العرب، وتعمل وا يعمل لمثلي، فرحلوا حتى جاءوا بلادهم فنحر الجزر وذبح الغنم ودخل عليها فقال أفرغت من شأنك؟ قالت لا والله فقال قد نحرنا الجزر، وذبحنا الغنم، ودنا منها فقالت: لا والله، لقد ذكرت من الشرف مما لا أراه فيك، اخرج إلى هؤلاء القوم: عبس وذبيان فاصلح بينهم، فخرج حتى أتى القوم فمشى بينهم بالصلح حتى تصافوا وتحمل هو الديات، وكانت ثلاثة آلاف بعير في ثلاث سنين فانصرف بأجمل الذكر قال زهير بن أبي سلمى في ذلك شعرا.
ثم ولدت له بعد ذلك بنين وبنات.
وكان أوس هذا هو رأس جديلة، وهم بأجاء وسلمى جبلى طيء ثم وقعت الحرب بين جديلة والغوث، وهو يوم اليحاميم ويعرف أيضا بغارات حوق.
وكان سبب ذلك أن الحارث بن جبلة الغساني كان قد أصلح بين طيء فلما مات عادت إلى حربها، فالتقت جديلة والغوث، بموضع يقال له غرثات فقتل قائد جديلة، وهو أسبع بن عمرو بن لام، وهو عم أوس بن خالد بن حارثة ابن لام، وبعض النسابة يسقط خالدا، فيقول أوس بن حارثة بن لام، وكان مصعب رجلا من سنبس قطع أذن أسبع ابن عمرو بن لام فخصف بها نعله وقال:
نخصف بالآذان منكم نعالنا ... ونشرب كرها منكم في الجماجم
وتناقل الحيان في ذلك أشعارا كثيرة، وعظم ما صنعت الغوث على أوس، وكان لم يشهد الحروب المتقدمة، لا هو ولا أحد من رؤساء طيء: كحاتم وزيد الخيل فعزم أوس على اللقاء في الحرب بنفسه، وأخذ في جمع جديلة، وبلغ الغوث جمع الأوس لها، فوقدت النار على ذروة أجاء، وذلك أول يوم فأقبلت قبائل غوث وعليها رؤساؤها منهم زيد الخيل، وحاتم، وأقبلت جديلة مجتمعة على أوس، وحلف أوس ألا يرجع عن طيء حتى ينزل معها جبليها: أجاء وسلمى، والتقوا في غارات؛ فاقتتلوا قتالا شديدا، قال، فدارت الحرب على بني كيمن بن جندب بن خارجة بن جديلة.