إذا جئتَ تنهى الفضلَ عن بذلِ مالهِ ... فمن ذا الذي ينهى السَّحابَ عن القطرِ
فقال الفضل إنها لحسان، فإن قيل لك إنها ليست من قبلك، وأنها مسترقة من قول العرب، ما الذي تصنع؟ قال: إذاً أدخلك وناقتي في حرِّ أمِّ الفضل، وأهل بيت الفضل، وأرجع إلى أهلي خائباً.
قال: فضحك الفضل وقال: يا أخا العرب، أنا الفضل، فما بغيتك الآن؟ قال بغيتي عشرة آلاف درهم، أسرُّ بها صديق، وأكبت بها عدوي، وأستعين بها على زغاليلك كأنهن زغاب القطا إذا فقسن عن بيضاتهن.
فقال له الفضل: هي منالك مائة ألف تتبعها مائة ألف تتبعها مائة ألف، مائة ألف، لقصدك إيانا، ومائة ألف لشتمك إيانا، ومائة ألف لاحتمالك لك، ومائة ألف تستعين بها على أمرك، قال: ثم إنّ الفضل أنشأ يقول: [الطويل]
إذا شئتَ أن تدعى كريماً مكرماً ... أديباً ظريفاً عاقلاً فطناً حرَّاً
إذا ما بدا من صاحبٍ لكَ زلَّةٌ ... فكن أنتَ محتالاً تقيمُ لها عذرا
قال، وكان في يد الفضل قوس، فقال: أيّها الأعرابي قل في قوسي شيئاً، فقال:
فقوسكَ قوسُ الجودِ والوبرُ النَّديّ ... وسهمكَ سهمُ المجدِ فاقتل بهِ فقري
قال الفضل: أما قتلنا فقرك بعد، قال بلى، والله وأنعمت، ثم أنشأ يقول: [الخفيف]
إنَّ للنَّاسِ غايةً في المعالي ... وقفوا نحوها، وأنتَ تزيدُ
قد تعاليتَ في المكارمِ، والجودِ ... فجزتَ المدى فأينَ تريدُ
ما تبالي الآمالُ إن قريت منكَ ... سواءً قريبها والبعيدُ
أصبحَ الجودُ في دوائكَ كالقطرة ... في البحرِ غرَّقتها المدودُ
قال: فأمر له بمائة ألف أخرى، فأنشأ الأعرابي يقول: [الكامل]
عجباً لكفكَ كيفَ لا يتكلَّمُ ... مما يفيضُ على الأنامِ وتنعمُ
أم كيفَ لا تخضرُّ منها عودها ... حتّى يكونَ لها ثمارٌ تطعِّمُ
فالتفت الفضل إلى من كان معه، فقال: هل سمعتم كاليوم شعراً أحسن من هذا؟، ثم التفت إلى بعض الخدام، فقال له: ما بقي معك؟ قال، والله يا سيدي ما بقي معي غير درعك الذهب، قال: أنتَ، لهُ، والدرع معك، فبكى الأعرابي، فقال له الفضل: مما بكاؤك؟ لقلة فتزيد، قال لا، والله لا لقلة ولكن بكائي على ما تضمن الأرض، والثرى من جودك، وموت مثلك عن المسلمين.
فقال له: كلامك، والله أحسن من شعرك يا غلام احشِ فاه درّاً ففعل، فوسع فوه خمس درات، وقال له: يا سيدي بقيت لي واحدة، فقال له: من أين قلت ذلك، قال لأن جدي مدح عبد الملك بن مروان فأمر له بمثل ما أمرت لي فوسع فوه ستة درات، ووسع فوي خمسة، وقد بقي لي واحدة، قال فأمر له بالسادسة فأخذها وانصرف.
مرّ خالد بن صفوان على حمار له يدب، وسليمان بن علي يراه من منظرة بالمربد، فقال له سليمان: يا أبا صفوان، فأين الخيلُ؟، فقال أصلح الله الأمير الخيل للأيغال، والبرادين للجمال، والبغال للأثقال، والحمير لك مهال، وقال بعض القرشيين لابنه: يا بني إن طلبك صاحب أدهم، فعليك بالوجل، فإن الأدهم رديء القوائم، وإن طلبك صاحب أشقر، فعليك بالحزن، فإنّ الأشقر رقيق الحوافر.
وإن طلبك صاحب كميت فعليك بالجدد وحقيق أن ينجو، وقال آخر دهم الخيل ملوكها، وكميتها جلادها، وشقرها ميامينها، وأهدى عبد الله بن طاهر المأمون فرساً وكتب إليه، قد وجهت لأمير المؤمنين أعزه الله، فرساً يلحق الأرنب في الصعداء، ويدرك الظباء في الاستواء، ويسبق في الحدور لسيل الماء، فهو كما قال تأبط شراً: [الطويل]
ويسبقُ وفدَ الرِّيحِ من حيثُ ينتحي ... بمنخرقٍ من شدَّةِ المتداركِ
وبعث الحجّاج إلى عبد الملك بن مروان، بفرس كتب إليه، وقد بعثت إلى أمير المؤمنين بفرس، حسن المنظر، محمود المخبر، بهي القد يسبق الطراف، ويستغرق.
الوصف اجتمع بباب عبد الملك بن مروان الفرزدق وجرير، والأخطل فأذن لهم ذات يوم، وقال لهم: ليصف كل واحد منكم الفرس في غير شعر نثراً، فقال الفرزدق: أكرم الخيل أدهم طهطاه الذي هامته علاه، ذو الطرف الحديد، والنظر البعيد، والشدق الهريت، والعنق المديد الذي إذا أقبل قلت: ظبي عاط، وإن أدبر قلت هقل هاط، وإن سدَّ قلت ذئب ساط، سلس القياد، طبع الأوراد، إذا استقبلته قلت: ليث حاذر، وإن استديرته قلب طائر.