ثم قال جرير: أكرم الخيل الأشهب الأقب الأغلب، والمتن الأحلق، والكفل المزحلق، والجوف الأجوف، العامض العضب المدرك لما طلب، العاري الظنبوب، العجلز السرحوب، الذي كأن في جوفه شؤبوباً تخال، مشيته تقرباً، ثم قال للأخطل: هات يا أبا مالك. فقال: اسقني قعباً من خمر، يعين على اختراع الوصف، فسقاه، فلما شربه قال هاتِ قال يا أمير المؤمنين: تركته وحيداً لا تقدر على ابتداع، ولا يتسع لاختراع، فاجعل له شريكاً.
قال له: طاسة مملوءة، فلما شربه، قال عبد الملك كيف ترى؟ قال اثنان يتشاحنان الخطابة، ويتنافسان الإجابة، فاجعل بينهما حكماً فسقي ثالثاً ورابعاً، حتى استوفى سبعة، فغضب بنو أمية، وقالوا الأخطل أحللته محلاً يتجرأ فيه عليك مع كفره، قال الأخطل، والمسيح ما أتكلم وغواة بني أمية حضور فنحّاهم.
ثم قال: قال هات الآن. قال أكرم الخيل الكميت البهيم، من نسل كريم، منتصب الأذنين، القادح العينين، السائل الخدين، الرحب المنخرين، الجواد العلوة الطويل الفتى، المندمج الظهر، الأقب البطن، الصحيح القصب، التام العصب، المريح إذا أقبل، المتنابع إذا أدبر، أديمة صاف، ومحزمه واف، وسبيبه ضاف، وعقره داق قصير ظهره، هادية شطره، طالبه مشكوك، وطريدة مخذول، يعجبك خلقه إذا استقبلته، ويمرح تحتك إذا ركبته كأن مشيته زيفان.
وكأن جريه طيران، يعنق بيديه، ويهلج برجليه، ويشكر بطرفيه، وقلبه بين عينيه، فقال له عبد الملك: أحسنت، ثم قال: من يلومني على أبي مالك، وأحسن جائزته. تفسير قولهم الطهطاه الفرس الفتى، وقوله هامته علاه العلا السندات، وعاط من عطا يعطو هاط، مجتمع الأحلق الأملس المزحلق المدور الظنبوب عظم الساق. العجلز الشديد الحلق، السرحوب الحفيف، العتيق: [البسيط]
يا أهلَ ودِّي أما في الأرضِ ذو كرمٍ ... يرثي لذي كرمٍ زلّت بهِ القدمُ
أفي عيونكم عن منظري عمهُ ... أم في مسامعكمُ عن منطقي صممُ
من نعمةِ اللهِ فقل إني لأنعمكم ... لأنها نعمٌ من دونها نقمُ
ألستُ أنسى لكم عن أحرفٍ عرضت ... في القلبِ قد كاد منها القلب ينقصمُ
ما بالُ دوركم حلَّ لطارقها ... في كلِّ أوقاتها، والمطبخُ الحرمُ
وله أيضاً: [الوافر]
سألتُ اللهَ تعميراً طويلاً ... ليبهجني بخطبٍ يعتريكمُ
أخافُ بأن أموتَ وما أرتني ... صروفُ الدهرِ من أرجوهُ فيكمُ
قال بعض الحكماء: تفرعت الذنوب من سبعة أشياء: الكبر، والحرص، والغضب، والحسد، والشّح، والعجلة، والجميل. قال أمير المؤمنين علي بن أبي طالب كرّم الله وجهه لابنيه: عليكما باصطناع المعروف واكتسابه، وتلذذا بروح نسيمه، وارضيا بمودات الرجال ثمناً منه، فكم من رجل صيّر ماله معروفاً فعاش به بنوه بعده. قال الأحنف بن قيس: ما رددت من حاجة قط، قيل له: ومن ذا الذي يردك يا أبا بحر؟ قال ليس، كما ظننتم، ولكني ما سألت قط إلا ما يجوز، ويسهل.
سمع بلال بن جرير رجلاً يقول: الشحيح أغدر من الظالم، فقال لعن الله خلين خيرهما الشح. تحادث قوم عند عبيد الله بن عبد الله ذكر السخاء، فقال لا يتحدث أحد في السخاء، ولا في أهله إلا ولحاتم الطائي، ولكعب بن مامة عليه الفضل، أما حاتم فإنه كان لا يسأل عن شيء إلا سمح به، حتى أنه كان في سفر، فخرج عليه فارس ليأخذ ما معه، فلم يزل حاتم يجاريه، حتى انكسر الرمح الذي في يد الرجل، فكاد أن يقتله حاتم، فقال الرجل لحاتم أعطني رمحك، ومد يده إليه فأعطاه إياه، فسد عليه الرجل، فكاد أن يقتل حاتماً، فركض حاتم، وكان فرسه جواداً فلحقه فحدثهم: فقالوا، ولم أعطيته رمحك؟ قال ما كنت لأسأل شيئاً، فلا أجود به سيما، وقد مد يده إليّ، ثم كروا على الرجل فأخذوا الرمح منه، وأسروه، وأما كعب بن مامه، فإن رجلاً صحبه في فلاة، ومع كعب إداوة فيها شربة واحدة وليس مع رفيقه جرعة، ولا في الموضع ماء، ولا يطمعون في بلوغ الماء، فعطشا واشتد عطشهما فاستحيا كعب أن يشرب ورفيقه عطشان، فلا يواسيه، ولم يحتمل الماء سريعاً، فلم يبلغا الماء، حتى مات كعب بن مامه. قال محمد بن سليمان لابن السّمّاك: بلغني عنك شيء كرهته. قال إذن لا أبالي، قال: كيف ذاك؟ قال لأنه إن كان حقاً غفرته لي، فإن كان باطلاً لم يبله عني وكذبته.