للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

شديد نياط المنكبين إذا جرى ... وبيضها مثل الرِّيم زينتها العقدُ

فهذا لأيَّام الهياج وهذهِ ... بموضع حاجاتي إذا انصرف الجُنْدُ

فبلغها الأبيات فكتبت إليه تقول: [الطويل]

لعمري لئن شَطَتْ بعثمانَ دارهُ ... وأضحى بالحبابة والوردِ

ألا فأقرئهُ مني السَّلاموقل لهُ ... غنينا بفتيانٍ غطارفةٍ مرُْدِ

إذا شاء منهم ناشئاً مدَّ كفهُ ... إلى كفلِ ريّان أو كعثب نهدِ

إذا رجع الجند الذي أنت فيهمُ ... فزادك ربُّ الناس بعداً على بعدِ

فلما وصلته أبياتها باع الجارية، وأقبل مسرعاً، فوجدها معتكفة في محرابها، فقال: يا هند فعلت ما فعلت، فقالت: أجلّ في عيني، وأعظم عندي أن أرتكب مأثماً، ولكن كيف وجدت طعم الغيرة، وإنك أغضبتني فأغضبتك.

يروى أن رجلاً لقي يعقوب بن داوود ومعه قصة فدفعها إليه، فيها مكتوب: [البسيط]

يا الذي لم تزل يمناه مذْ خُلقتْ ... فيها الباع نوال العلّ، والنهلُ

إن كنت مسدي معروفاً إلى رجلٍ ... لفضلِ ودٍّ فإني ذلك الرجلُ

فأمنن عليَّ بفضل منك يُجبرني ... فإنني شاكر للعرفمحتملُ

فأمر له بعشرة آلاف درهم. قال أحمد بن محمد بن المدبّر: كنت مع أحمد بن خالد بفلسطين، فجاءه رسول، إن صنَّاعك قد أمر بقبضها، فقال لي الفضل بن مروان، والي العسكر في هذا، فكتب وهيأ رسولاً وتحفاً، فلما قرأ الكتاب، قال: أنفذ منها حرفاً واحداً، أصير رسولي إلى الله تعالى.

ثم أبطل تلك الكتب، وأخذ منها ما يريد إنفاذه، فتصدق به، فما مضى خامس عشر، حتّى جاء رسول، بأن الساعي بك وبضياعك، فتبين أمره، فوجدناه كذّاباً مبطلاً، فعلنا به، وفعلنا به، وأمرنا بإطلاق ضياعك،،وأن لا يتعرض بها، ولا بشيء منها، فشكرت الله تعالى، وتبين حسن معاملته وحسن متاجرته.

خرج الاسكندر ليلة فجعل منجّمه يسير له الكواكب، فعثر المنجم فكادت تندق عنقه، فقال له مضحك الاسكندر: من تعاطى علم ما فوق رأسه أتت به البلية من تحت قدميه.

دخل رجل من بني هاشم على المنصور، فسأله عن وفاة أبيه.

فقال: مرض (رضي الله عنه) يوم كذا ومات (رضي الله عنه) يوم كذا، وترك (رضي الله عنه) من المال كذا، فانتهره الربيع، وقال بين يدي أمير المؤمنين، توالي الدعاء لأبيك، فقال الرجل: لا ألومك لأنك لم تعرف حلاوة الآباء.

دخلسعيد بن مسلم الباهليّ على الرشيد فأومأ إليه بعد السلام فجلس وقال يا أمير المؤمنين: أعرابي من باهلة، وقد ورد عليك، وما رأيت قط أشعر منه، فقال له: أما أنت فإنك قد استنجبت هذين فهبي لي أحجارك.

وكان عنده العماني ومنصور النمري، فقال تهيأني لك يا أمير المؤمنين، ثم أذن للأعرابيّ، فدخل وعليه جُبَّة حبر ورداء يماني، قد شدّ وسطه وثناه على عاتقه، وعمامة قد عصتها على حدرية، وأرخى لها عذبة، وألقيت الكراسي فجلس الكسائي، والمفضل الضبي وابن سلم، والفضل بن الربيع.

فقال ابن سلم للأعرابيّ: خذ في شرف أمير المؤمنين، فاندفع الأعرابي في شعره، فقال الرشيد: ما أحسنك في هذا الكلام، وأنا أسمعك مستحسناً لك، متهماً عليك، فإن يكن هذا الشعر لك، وأنت قلته من نفسك فقل لنا في هذين بيتين، يعني الأمين، والمأمون.

فقال: يا أمير المؤمنين حملتني على العذر غير الجد روعة الخلافة وبَهرُ بديهة ونفور القوافي عن الرُّواة! فأمهلني يا أمير المؤمنين، حتى يتآلف إلى هرابها، ويسكن روعي، فقال: أمهلتك يا أعرابي وجعلت اعتذارك بدلاً من امتحانك، فقال: يا أمير المؤمنين، نفست الخناق، وسهّلت ميدان السباق، وأنشد يقول:

بنيت بعبد الله بعد محمدٍ ... ذرى قُبَّة الإسلام فاخضَّر عودها

هما طنباها بارك الله فيهما ... وأنت أمير المؤمنين عمودها

فقال الرشيد: وأنت يا أعرابي، فبارك الله لك فيك، فاسألنا ولا تكُ مسألتك دون إحسانك، فقالت الهنيدة: يا أمير المؤمنين، فتبسم. فقالت امرأتي: طلقتني يا أبا الجوزاء، فقلت: من أين لك هذا؟ قالت: حدثتني جارتي الأنصارية، قلت: ومن أين لها؟ قالت: ذكرت، أو زوجها خبّرها بذلك، قال: فغدوت على ابن عباس فقصصت عليه القصة، فقال لي: أما علمت أن وساوس الرجل تحدث وساوس، فمن ها هنا يفشو السرّ.

<<  <   >  >>