للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وكان سويد أميراً جالساً بين يديه، ثم خرج عبيد الله وجلس على سرجه، ينتظر سويداً، فلما خرج ابتدره سويد، فقال، والله ما ساءني ما جرى بعد لقيته لهذا الجبار بما لقيته، وكان هذا عبيد الله قد مات أبوه، وخلفه ابن ست سنين.

وقال له يا بني إلى من تحب أن أوصي بك؟ فقال يا أبت، إذا لم يكن للحي إلا وصية الميت، فالحي هو الميت، فقال له أبوه أنت، والله ولدي حقاً، فلما مات أبوه، قلدته أمه بالسيف فقصر عنه، وطال السيف عليه، فقلدته الشمل ودخل على عبد الملك، فقال يا عبيد الله إلى من وصّى بك أبوك؟ فقال: إن أبي أوصى إليّ، ولم يوصي بي، فلما ركب، ركب لركوبه عشرون ألفاً من قومه، وهو الذي قتل مصعب بن الزبير، وجاء برأسه إلى عبد الملك، فلما رآه سجد له، وأمر له بألف دينار، فقال لا تعطيني لقتل مصعب ألف دينار، والله ما قتلته لا لك، ولا لأجلك، ولكن لذحل كان بيني وبينه، ثم ندمكيف لم يضرب رأس عبد الملك بالسيف حين سجد فيكون قد قتل ملكي العرب.

جاء رجل إلى الحجَّاج، فقال يا أمير المؤمنين: عصا عاصي من غرب الحي، وأنا عريف قومي، هدمت داري، وخلف على اسمي وحرمت عطائي، فقال له الحجَّاج: أما سمعت، قول الشاعر حيث يقول:

جانيك من يُجني عليك وقدْ ... أجدى الصِّحاحُ مبارك الحربِ

ولَرُبَّ مأخوذٍ بذنب قرينهِ ... ونجا المقارف صاحب الذنبِ

فقال له الرجل: ما قاله الله خير مما قال الشاعر قال، وما الذي قاله الله (عز وجل) ، قال: قال سبحانه وتعالى: (أَلاّ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَىَ وَأَن لّيْسَ لِلإِنسَانِ إِلاّ مَا سَعَىَ) [النجم] .

فقال الحجاج صدق الله وكذب الشاعر، يا غلام ابن داره وأعد اسمه واردد عليه عطاءه.

ذكر بعض المفسرين في قوله تعالى (ولا تنسوا الفضل بينكم) [البقرة: ٢٣٧] .

قال: اصطناع المعروف.

قيل إن سبب نقمة الرشيد على البرامكة، أن ميمونة أخت الرشيد هويت جعفراً بن خالد البرمكي، وكانت تراسله وتلاطفه ليزورها، فيأبى عليها، ويخاف الرشيد أن يخونه في أهله وحريمه، فلما انقطعت حيلتها صنعت له طعاماً وسألت الرشيد أن يتغدى عندها فأجابها. وكان لا يصبر عن جعفر لمحبته له، فقال وأخي جعفر، قالت: نعم، فلما أكلا وجلسا إلى المساء يتحدثان، وأرادا الانصراف، فقالت يا سيدي قد اشتريت لك جارية منذ سنتين، أديبة عاقلة كاملة حسنة، وإنما أردتها لهذه، فتبيت معها عندي، فتقر عيني بذلك، فقال وجارية أخرى لجعفر، فلما أدخلت على الرشيد جاريته، لبست ميمونة فاخر ثيابها، وتعطرت ودخلت على جعفر، وهو لا يعلم من هي فباتت معه ليلته.

فلما أصبحت قالت إني ميمونة أخت أمير المؤمنين قد كنت أراسلك، وألاطفك على أن تحبوني بمودتك، فأبيت، فلما يئست منك، احتلت لهذه الحيلة، وأشهد الله لئن لم تزرني لأفضحنك ونفسي، فخاف من شرها، ودقيق حيلتها، ولم يأمنها، فكان يزورها، حتى ظهر الرشيد على أمرهما، فقتلها وقتله، واستأصل البرامكة.

قال المنجمونلكسرى إنك لتقتل، قال لأقتلن قاتلي، ثم أمر بسم فخلطه في أدوية وجعله في برنية، وكتب عليه هذا دواء للجماع مجرَّب، من أخذ منه وزن كذا جامع ما شاء، وجعله في خزانة الطبيب، والأدوية، فلما ابنه شيرويه، رآه في خزانته، فقال بهذا كان يقوى أبي على الجماع، فأكل منه فمات مكانه. يقال إن عروة بن حزام توفي وجداً بحليلته عفراء، فمر به ركب فعرفوه، وهو ميت، فلما انتهوا إلى منزل عفراء صاح منهم رجل: [الطويل]

ألا أيَّتها القصر المغفَّل أهلهُ ... إليكم نعينا عروة بن حزام

فسمعت عفراء فأشرفت من القصر وقالت: [الطويل]

ألا أيها الركب المحثون ويحكم ... أحقٌ نعيتم عروة بن حزامِ

فأجابها رجل من القوم: [الطويل]

نعم قد دفَّناه بأرض بعيدة ... مقيمٌ بها في سبسب وآكامَ

فقال مجيبة له: [الطويل]

فإن كان حقاً ما تقولون فاعلموا ... بأن قد نعيتم بدر كل ظلامِ

فلا هنىء الفتيان بالعيش بعده ... ولا رجعوا من غيبة بسلامِ

ولا وضعت أنثى تماماً مثله ... ولا بُشِّرت في بعده بغلامِ

ولو تبلغوا ما قد توجتموه لهُ ... ونغصتموا الذات كلَّ طعامِ

<<  <   >  >>