للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

وأختاره طائفة من الناس الذين أرادوا أن يكونوا عرفاء من بين المسلمين , واختاروا نفس المناهج التي وضعها أصحاب الديانات الهندية لحصول (نروان) أي المعرفة , وجعلوا غورديسيا (أي تعذيب النفس) وجب وكيان دهيان (أي الصمت والتفكير والذكر) وسيلة للوصول إليها , وكان هذا ظاهرا جليا واضحا إلى حدّ اضطر المراعون للتصوف , والمداهنون للصوفية , والمدافعون عنهم أن يقرّوا به على ملأ من الناس:

(فالتصوف الإسلامي الحقيقي مبناه على الكتاب والسنة وعلى أحوال الرسول النبي العربي صلى الله عليه وسلم وإن تعرجت مؤخرا تعاليم التصوف وتلونت بعض فروعه ألوانا عدة واتجهت تلك الفروع اتجاهات مختلفة بسبب المذاهب الموروثة للداخلين المحدثين في الإسلام من هنود وفرس وإسرائليين ومسحيين ولا سيما في عصر الترجمة الذي شجع عليه المأمون ومن بعده من الخلفاء العباسيين فترجم المسلمون كتباً كثيرة من التصوف الهندي واليوناني والفارسي وطمعت بعض فروع التصوف الإسلامي الخالص بما دخل عليها من النزعات الأفلاطونية الحديثة أو القديمة وبعض المذاهب الهندية والفارسية في التصوف كنظرية الحلول والاتحاد والتقمص والتناسخ وما إلى ذلك (ولكل دين تصوفه وطبعا).

ومع ذلك ظل التصوف الإسلامي الصميم والذي مصدرة الكتاب والسنة قائما على حاله في صدور رجاله وفي الكتب الإسلامية كتواليف الحسن البصري والقشيري وأبي طالب المكي والسراج والغزالي) (١).

(وشذ عن ذلك أمثال الحلاج الذي قال بالحلول والقائل (أنا الحق وما في الجبة سوى الله) ومحي الدين القائل (خضنا بحراً وقف الأنبياء بسالحله) وبرأه من فكره الحلول قوله بالسكر وغلبة الحال. وأكثر الصوفية الأعاجم خلطوا بين الفلسفة الفارسية القديمة أو الهندية وما قبسوه عن اليونانية والأفلاطونية الحديثة وبين تصوفهم الخاص).

وقد تأثر أمثال ببراهمة الهند والغرس في أزيائهم وطقوسهم , واعتنقوا من أفكارهم) (٢).


(١) والباحث والقارئ يلاحظ هذه المعالجة كثير اما تمسك بها الصوفية ومن دافع عنهم , ولأجل ذلك لم نورد النصوص والعبارات في هذا المبحث كله , ولم نبن الحكم على ما كتبه هؤلاء ومن تبعهم في موقفهم ومسلكهم ومشربهم , ولم نتعرض إلى أقوال الوجوديين والحلوليين والاتحاديين مع تمسك القوم بكتبهم ومقولاتهم والمباهاة بعرفانهم وكرامتهم والمبالغة في تمجيدهم والثناء عليهم.
(٢) جمهرة الأولياء لمحمود أبي الفيض المنوفي الحسيني ج١ ص ٢٦٦ , ٢٦٧.

<<  <   >  >>