للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وأهون ما في أرضها وسمائها ... على الناس، هاتيك الحزينة والبدر

ثوت تحتها تلك الفتاة عليلة ... تئز كما أزت على نارها القدر

وفي غرفة مما بنى الله لا الورى ... فليس على من حل ساحتها أجر

جوانبها شرق الظلام وغربه ... وفي سقفها ضاءت كواكبه الزهر

ممدة كالسطر في صفحة المنى ... وأطمارها تبدو كما شطب السطر

فإن يك أهل الأرض أرقام حساب ... فتلك وراء العالمين هي الصفر

رمت عينها يمنة ويسرى فلم تجد ... على الأرض خلقا ليس في جنبه غدر

رأت كل مخزاة من الشر تلتوي ... ويهرب ذعرا من جنايتها العذر

رأت أثرا تدنى به الأرض والسما ... وليس سوى الإنسان في جرحه ظفر

رأت ذلك الإنسان يطغى بعلمه ... ويجهل أن العلم عن جهله زجر

أليس يرى الإنسان في القرد شبهه ... فهل ذاك إلا من تكبره سخر

كما عاقب الله الأسود لكبرها ... فجاء لنا في صورة الأسد الهر

رأت هذه الحرب الضروس كأنها ... مراحل يطويها من الزمن الحشر

وما حمد الشيطان للناس مثلها ... ولا كان للشيطان في مثلها شكر

وما الحرب إلا رجفة الأرض رجفة ... يموت بها عصر ليحيا بها عصر

وما الحرب إلا مطرة دموية ... إذا دنست روح الورى فهي الطهر

وما الحرب إلا غضبة الله لا مست ... مخازي الدهر فانفجر الدهر؟

فيا رب، جلت هذه الحرب محنة ... على الناس، لا الإيمان منها ولا الكفر

ففي كل نفس غصة ما تسيغها ... وفي كل قلب كسرة ما لها جبر

وبين شفاه الناس للناس لعنة ... إذا لم يثرها الحق ثار بها الخسر

وما لوت الأسياف في الأرض عروة ... من البغض إلا والرؤوس لها زر

فلا تخدعوا الإنسان عن نزعاته ... فما الناس إلا ما أساؤوا وما سروا

وكم قيل إنسانية ومحبة ... وعلم وتمدين وأشباهها الكثر

فيا قدرا يجري دما ويلتظي ... سعيرا، أذاك الحب أنت أم أنت الهجر

ويا هذه لا تجحدي، إنما الورى ... كما خلقوا والمكر بعد هو المكر

وأين من الناس الكمال ولم نزل ... نرى السود سودا ليس يغسلهم بحر

ولا بد من ضدين في كل حالة ... وبينهما إما النجاة أو الأسر

بذلك يجري الغيب إن طار أو هوى ... فإن جناحيه المنافع والضر

فلا تطمعي إن تغفل الأرض أهلها ... ولا مد فوق البحر إلا له جزر

ولا تطمعي أن يرفع المال أنفسا ... يحركها من ذل مطمعها الجر

ولا تأملي الأيام خضرا على المدى ... ففي كل حين يسقط الورق النضر

ولا تسألي الزلزال ترقيص طفلة ... وأصغر ما في كفه الجبل الوعر

ألا إنما الدنيا سلاليم يرتقي ... بها الناس تغريم أواخرها الغر

نذروا علاها للكمال، وعندهم ... من العلم أسباب يقر لها السحر

فما برحوا يرقون كل بعيدة ... ولم يعلموا أين الكمال ولم يدروا

فلما علوا واستحمقوا وتتابعوا ... وغرهم بالله ذلك فاغتروا

... تهاووا على أعناقهم وتحطمت ... بهم درجات كان من فوقها النصر

كذلك سلاليم الحياة، فكلنا ... طموح لأعلاها وفي الوسط الكسر

[الجمال والحب]

وكأنما أنظر الآن في قلب رجل لا في وجهه، إذ تهلل على الحساب وجه "الشيخ علي" شيخ المساكين.

أراه كما كنت أعرفه، ضاحكا غير الضحك الذي يلبس وجوه الناس، فلا يضحك لشيء إنساني، بل ما هو إلا أن تراه قد تهلل فرفع وجهه إلى السماء وأرسل من فمه مثل نور التسبيح في إشراق جميل، حتى لقد كان يخيل حين أبصره على تلك الهيئة أنه لا يضحك ولكن قلبه يرتعش بعضلات وجهه.

<<  <   >  >>