للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وقال لابنه الوليد: يا بني: اعلم أنه ليس بين السلطان وبين أن يملك الرعية أو تملكه, إلا حزم أو توان.

وقال آخر: فضل الملوك في الإعطاء, وشرفهم في العفو, وعزهم في العدل.

وقيل لبعض الملوك _وقد بلغ في القدر والسلطان ما لم يبلغه أحد من ملوك زمانه_: ما الذي بلغ بك هذه المنزلة؟ قال: عفوي عند قدرتي, وليني بعد شدتي, وبذلي الإنصاف ولو من نفسي, واتقائي في الحب والبغض مكان الاستبداد.

وقال النبي صلى الله عليه وسلم: "عدل ساعة في حكومة, خير من عبادة ستين سنة".

وقال بعض الحكماء: إمام عادل خير من مطر وابل, وإمام غشوم شر من فتنة تدوم.

وقال آخر: من شارك السلطان في عز الدنيا, شاركه في ذل الآخرة.

وقال آخر: إذا قال السلطان لغلمانه هاتوا, فقد قال لهم: خذوا.

وقال آخر: مثل أصحاب السلطان, مثل قوم رقوا جبالا ثم هووا منه, فكان أقربهم من التلف أبعدهم في المرقى.

وقال أبو مسلم الخراساني: خاطر من ركب البحر, وأشد منه مخاطرة من داخل الملوك.

[فصل]

[فيما يجب على من يصحب السلطان]

قال الشعبي, قال لي عبد الله بن عباس, قال لي أبي: يا بني: إني أرى هذا الرجل _يعني عمر بن الخطاب_ يقدمك على الأكابر من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم, وإني أوصيك بخلال أربع: لا تفشين له سرا, ولا تجرين عليك كذبا, ولا تطوين عليه نصيحة, ولا تغتابن عنده أحدا. قال الشعبي: فقلت لابن عباس: كل واحدة خير من ألف. قال: أي والله, ومن عشرة آلاف.

وقال بعض الحكماء: إذا زادك السلطان إكراما فزده إعظاما, وإذا جعلك ولدا فاجعله سيدا, وإذا جعلك أخا فاجعله والدا, وإذا جعلك والدا فاجعله ربا, ولا تدمن النظر إليه, ولا تكثر من الدعاء له, ولا تتغير له إذا سخط, ولا تغتر به إذا رضي, ولا تلحف في مسألته! وقال خالد بن صفوان: لا تكن صحبتك للملوك إلا بعد رياضة منك لنفسك؛ فإن كنت حافظا لما ولوك, أمينا إذا ائتمنوك, حذرا إذا قربوك, ذليلا إذا صرموك, راضيا إذا أسخطوك, تعلمهم وكأنك تتعلم منهم, وتؤدبهم وكأنك تتأدب بهم, وإلا فالبعد منهم كل البعد, والحذر منهم كل الحذر.

وقال الفضل بن الربيع: من كلم الملوك في حاجة في غير وقتها, جهل مقامه وضاع كلامه, وما أشبه ذلك إلا بأوقات الصلاة التي لا تقبل إلا فيها.

وقال خالد بن صفوان من صحب السلطان بالنصيحة والأمانة, كان أكثر عدوا ممن صحبه بالغش والخيانة, لأنه يجتمع على الناصح عدو السلطان وصديقه بالعداوة والحسد؛ فعدو السلطان يبغضه لنصيحته, وصديقه ينافسه مرتبته.

وقال أفلاطون إذا خدمت ملكا فلا تطعه في معصية بارئك, فإن إحسانه إليك أفضل من إحسانه, وإيقاعه بك أغلظ من إيقاعه. وقال إذا خدمت حازما فأرضه بإسقاط حاشيته, وإذا خدمت عاجزا فأسخطه برضاء أتباعه. وقال إذا خدمت ملكا فأظهر له الاستهانة بما فضلت به عليه, وأكثر التعجب مما فضل به عليك.

وقال عبد الله بن عمر: إذا كان الإمام عادلا, فله الأجر وعليك الشكر, وإذا كان جائرا, فعليه الوزر وعليك الصبر.

وقال آخر: إن استطعت أن ترى من خدمته غناك عنه, ليس بأن توهمه كثرة الجدة, ولكن بأن تعلمه بأن قليلك يقيم بأحوالك, كما يقيم كثيره بأحواله, فافعل! وقال آخر: اصحب السلطان بثلاث؛ بأعمال الحذر, ورفض الدالة, وإحراز الحجة!

[وقال أفلاطون لا تشيرن على الملك في أحد بما تكره أن يعمله في أمرك إذا حللت محله.]

وقال آخر: أخدم الجاهل من الرؤساء, بإتباع رضاه, والعاقل بإحراز الحجة عليه أو له.

[فصل]

[في ذم الحسد]

قال أمير المؤمنين علي رضي الله عنه: لا راحة لحسود, ولا أخا للملك, ولا محب لسيء الخلق.

وقال آخر: الحاسد يسعى على من أنعم عليه, ويبغي الغوائل لمن أحسن إليه.

وقال آخر: الحسود عدو مهين, لا يدرك وطره إلا بالتمني.

وقال بعضهم: الحسد أول ذنب عصي الله به في السماء, وأول ذنب عصي به في الأرض, فأما في السماء فحسد إبليس لآدم, وأما في الأرض فحسد قابيل هابيل.

وقال الحسن البصري: ما رأيت ظالما أشبه بمظلوم, من حاسد. نفس دائم, وحزن لازم, وعبرة لا تنفد.

وقال معاوية: كل الناس أقدر على رضاهم, إلا حاسد نعمة, فإنه لا يرضيه إلا زوالها.

<<  <   >  >>