وقال عمرو بن العاص ما بلغني عن أحد شنآن قط, إلا سللت سخيمة قلبه بجهدي, إلا حاسد النعمة فإنه لا يرضى إلا بزوالها, فجدع الله أنفه!
وقال آخر: الحاسد يظهر وده في اللقاء, وبغضه في المغيب, واسمه صديق, ومعناه عدو.
ووجد في كتاب لجعفر بن يحيى - أربعة أسطر مكتوبة بالذهب - الرزق مقسوم, الحريص محروم, البخيل مذموم, الحسود مغموم.
ولقي إبليس نوحا عليه السلام. فقال: اتق الحسد والشح, فإني حسدت آدم فأخرجت من الجنة, وشح على شجرة واحدة فخرج من الجنة.
وقيل للحسن البصري أيحسد المؤمن أخاه؟ فقال: أنسيت إخوة يوسف؟ وقال آخر: يكفيك من الحاسد أنه يغم عند سرورك.
[فصل]
[في ذم الغيبة]
قال الله تعالى: "ولا يغتب بعضكم بعضا أيحب أحدكم أن يأكل لحم أخيه ميتا فكرهتموه". وأوحى الله تعالى إلى موسى عليه السلام: من مات تائبا من الغيبة, فهو آخر من يدخل الجنة, ومن مات وهو مصر عليها فهو أول من يدخل النار.
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ما النار في اليبس بأسرع من الغيبة في حسنات العبد".
وقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: إياكم وذكر الناس, فإنه داء. وعليكم بذكر الله, فهو شفاء.
وسمع علي بن الحسين رضي الله عنهما - رجلا يغتاب آخر - فقال: إياك والغيبة فإنها إدام كلاب الناس.
وقال محمد بن السماك: تجنب غيبة أخيك لخصلتين: أما الواحدة, فلعلك أن تغتابه بشيء هو فيك؛ وأما الأخرى فاشكر الله إذ عافاك مما ابتلاه به.
واغتاب بعضهم رجلا عند قتيبة بن مسلم. فقال له قتيبة: مهلا أيها الرجل: فلقد تلمظت بمضغة طالما عافها الكرام.
وقال عمرو بن عتيبة بن أبي سفيان: كنت أساير أبي, فلمحني وقد أصغيت إلى رجل يغتاب رجلا. فقال لي: ويلك - وما خاطبني بها قبلها ولا بعدها - إياك واستماع الغيبة! نزه سمعك عن الخنا, كما تنزه لسانك عن البذاء؛ فإن السامع شريك القائل.
ومر محمد بن سيرين بقوم, فقام إليه رجل منهم. فقال: يا أبا بكر: إنا قد نلنا منك فاجعلنا في حل. قال: إني لا أحل ما حرم الله تعالى.
وقال رجل للحسن البصري بلغني أنك تغتابني. فقال لم يبلغ من مقامك عندي أن أحكمك في حسناتي.
وقال عبد الله بن عباس رضي الله عنه: أذكر أخاك بما تحب أن يذكرك به, ودع منه ما تحب أن يدعه منك.
وقيل لعمرو بن عبيدة: لقد اغتابك فلان حتى رحمناك. قال: إياه فارحموا.
قال بعض الحكماء لابنه: يا بني: إياك وغيبة الناس, فإن مثل المغتاب لهم كمثل امرئ أوتر قوسه ليرمي جماعة كلهم يوتر قوسه, فإلى أن يصيب الرجل منهم بسهم قد أصابه أضعافه.
وعن سعد القصر قال: نظر إلي عمر بن الخطاب رضي الله عنه, ورجل يشتم رجلا بين يدي. فقال لي: ويلك يا سعد: نزه سمعك عن استماع الخنا, كما تنزه لسانك عن النطق به, فإن السامع شريك القائل.
وقال الحسن البصري: لا غيبة في ثلاثة: فاسق مجاهر, وإمام جائر, وصاحب بدعة.
[فصل في الإخوان والحض عليهم]
قال داود لابنه سليمان عليهما السلام: يا بني: لا تستقلن عدوا واحدا, ولا تستكثرن ألف صديق.
وقال النبي صلى الله عليه وسلم: "المرء كثير بأخيه".
وقال بعضهم: أعجز الناس من قصر في طلب الإخوان. وأعجز منه من ضيع من ظفر به منهم.
وقال شبيب بن شيبة: خير ما اكتسب: إخوان الصدق, لأنهم زينة في الرخاء, وعدة في البلاء, ومعونة على الدهر, وشركاء في الخير والشر.
وقال آخر: وطن نفسك على أنه لا سبيل لك إلى قطيعة أخيك وإن ظهر لك منه ما تكره, فليس الصديق كالمرأة التي تطلقها متى شئت, ولكنه عرضك ومروءتك.
وقال لقمان لابنه: يا بني! ليكن أول شيء تكسبه بعد الإسلام, خليلا صالحا؛ فإنما مثل الخليل الصالح كمثل النخلة إن قعدت في ظلها أظلك, وإن احتطبت من حطبها نفعك, وإن أكلت من ثمرها وجدته طيبا.
وقال آخر: ينبغي لصاحبي الكريم أن يصبر عليه إذا جمعتهما قسوة الزمن, فليس ينتفع بالجوهرة النفيسة من لم ينتظر نفاقها.
وقال الأحنف بن قيس: خير الإخوان من إذا استغنيت عنه لم يزدك في المودة, وإن احتجت إليه لم ينقصك منها, وإن ظلمت عضدك, وإن استعنت به رفدك.
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "الصاحب رقعة في قميصك فانظر بمن ترقعه".