علوِيَّة الأعسر المغنى من مجْلِس الْمَأْمُون فَقَالَ لنا: إِنَّه دَار صَوت فِي هَذِه اللَّيْلَة فِي مجْلِس أَمِير الْمُؤمنِينَ وَهُوَ بَيت وَاحِد. فَسَأَلَ عَنهُ كل من فِي الْمجْلس فَلم يعرف لَهُ أحد مِنْهُم ثَانِيًا فَهَل تعرفونه. فَقلت: مَا هُوَ؟ فَقَالَ: -
(تخيرت من نعْمَان عود أراكه ... لهِنْد فَمن هَذَا يبلغهُ هندا)
فَلم تعرفه فَقَالَ: أحب أَن تطلبونه فَطلب لَهُ عِنْد أهل الْمعرفَة بِبَغْدَاد فَلم يقدر عَلَيْهِ. فَلَمَّا ولى أَبُو الرَّازِيّ كور دجلة ثمَّ نقل مِنْهَا إِلَى الْبَصْرَة، وَنقل إِلَى الْيَمَامَة والبحرين فَلَمَّا خرجنَا وَكنت مَعَ أبي الرَّازِيّ فِي قبَّة أندفع الْحَادِي يَحْدُو بِنَا للمرقش الْأَكْبَر وَيُقَال للمجنون: -
(خليلي عوجا بَارك اللَّهِ فيكما ... وَإِن لم تكن هِنْد لأرضكما قصدا)
(وقولا لَهَا لَيْسَ الضلال أجازنا ... وَلَا كننا جزنا لحاجتنا عمدا)
)
(تخيرت من نعْمَان عود أراكه ... لهِنْد فَمن هَذَا يبلغهُ هندا)
(وأبطشه سَيفي لكيما أقيمه ... فَلَا أودا فِيهِ استبان وَلَا حصدا)
(ستبلغ هندا أَن سلمنَا وسلمت ... قَلَائِص يقطعن الفلاة بِنَا وخدا)
(فَلَمَّا أنخنا العيس قد طَال سَيرهَا ... إِلَيْهِم وجدنَا بالقرى مِنْهُم حشدا)
(فناولتها المسواك وَالْقلب خَائِف ... وَقلت لَهَا يَا هِنْد هَل مثل ذَا يهدى)
(وَأَقْبَلت مجتازا مود رِسَالَة ... فَقَامَتْ تجر الميسناني والبردا)
(تعرض للحى الَّذين أريدهم ... وَمَا التمست إِلَّا لتقتلني عمدا)
(فَمَا شبه هِنْد غير أدماء خاذل ... من الْوَحْش مرتاع تراعى طلا فَردا)
(وَمَا نُطْفَة من مزنة فِي وقيعة ... على متن صَخْر فِي صفا خالطت شَهدا)
(بأطيب من ريا علالة رِيقهَا ... غَدَاة هضاب الطل فِي رَوْضَة تندى)