للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

أما بعد: فَإِن الْإِعْذَار بِالْحَقِّ حجَّة اللَّهِ المقرون بهَا النَّصْر، والاحتجاج بِالْعَدْلِ دَعْوَة اللَّهِ الْمَوْصُول بهَا الْعِزّ، وَلَا يزَال المعذر بِالْحَقِّ، المحتج بِالْعَدْلِ فِي استفتاح أَبْوَاب التأييد، واستدعاء أَسبَاب التَّمْكِين حَتَّى يفتح اللَّهِ وَهُوَ خير الفاتحين وَيُمكن وَهُوَ خير الممكنين، وَلست تعدو أَن تكون فِيمَا لهجت بِهِ أحد ثَلَاثَة، طَالب دين، أَو ملتمس دنيا، أَو متهورا يطْلب الْغَلَبَة ظلما، فَإِن كنت للدّين تسْعَى بِمَا تصنع فأوضح ذَلِك لأمير الْمُؤمنِينَ يغتنم قبُوله، إِن كَانَ حَقًا فلعمري مَا همته الْكُبْرَى، وَلَا غَايَته القصوى إِلَّا الْميل مَعَ الْحق حَيْثُ مَال، والزوال مَعَ الْعدْل حَيْثُ زَالَ، وَإِن كنت للدنيا تقصد فأبلغ أَمِير الْمُؤمنِينَ غايتك فِيهَا وَالْأَمر الَّذِي تستحقها بِهِ فَإِن أستحققتها وَأمكنهُ ذَلِك فعله بك فلعمري مَا يستجيز منع خلق مَا يسْتَحقّهُ وَإِن عظم، وَإِن كنت متهورا فسيكفي اللَّهِ أَمِير الْمُؤمنِينَ مؤنتك. ويعجل ذَلِك كَمَا عجل كِفَايَته مُؤَن قوم سلكوا مثل طريقك كَانُوا أقوى يدا، وأكثف جندا، وَأكْثر جمعا وعددا ونصرا مِنْك فِيمَا أصارهم إِلَيْهِ من مصَارِع الخاسرين، وَأنزل بهم من حوائج الظَّالِمين وأمير الْمُؤمنِينَ يخْتم كِتَابه بِشَهَادَة أَن لَا إِلَه إِلَّا اللَّهِ وَحده لَا شريك لَهُ، وَأَن مُحَمَّدًا عَبده وَرَسُوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وضمانه لَك فِي دينه وذمته الصفح عَن سوالف جرائمك، ومتقدمات جرائرك، وإنزالك مَا تستأهل من منَازِل الْعِزّ والرفعة إِن أتيت وراجعت إِن شَاءَ اللَّهِ وَالسَّلَام. أَبُو إِسْحَاق أَحْمد ابْن إِسْحَاق.

قَالَ: حَدثنِي بشر السَّلمَانِي: قَالَ سَمِعت أَحْمد بن أبي خَالِد يَقُول: كَانَ الْمَأْمُون إِذا أمرنَا بِأَمْر فَظهر من أَحَدنَا فِيهِ تَقْصِير أنكرهُ عَلَيْهِ. قَالَ: فَحَدثني جَعْفَر ابْن مُحَمَّد الرقي العامري قَالَ: قَالَ الْمَأْمُون لثمامة بن أَشْرَس الا تدلني على رجل من أهل الجزيرة لَهُ عقل وَبَيَان وَمَعْرِفَة يُؤَدِّي عني مَا أوجهه بِهِ إِلَى نصر بن شبث؟ قَالَ بلَى يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ: رجل من بني عَامر يُقَال لَهُ جَعْفَر بن مُحَمَّد. قَالَ لَهُ: أحضرنيه قَالَ جَعْفَر فأحضرني ثُمَامَة فَأَدْخلنِي عَلَيْهِ فكلمني بِكَلَام كثير، ثمَّ أَمرنِي

<<  <   >  >>