قدرا من هَذِه فأفرغت قدرا مِنْهَا بيني وَبَينهَا فأكلنا ثمَّ دعت بالنبيذ فصب رطلا فَشَرِبت نصفه وسقتني نصفه فَمَا زلنا نشرب حَتَّى سكرنا ثمَّ قَالَت يَا أَبَا الْحسن: أخرجت البارحة شعر أبي الْعَتَاهِيَة فأخترت مِنْهُ شعرًا غنيت فِيهِ فَقلت: مَا هُوَ؟ فَقَالَت.
(وَإِنِّي لمشتاق إِلَى ظلّ صَاحب ... يروق ويصفو إِن كدرت عَلَيْهِ)
(عذيري من الْإِنْسَان لَا إِن جفوته ... صفا لي وَلَا إِن كنت طوع يَدَيْهِ)
فصيرناه مَجْلِسنَا فَقَالَت: بقى على فِيهِ شَيْء فأصلحه. فَقلت مَا فِيهِ شَيْء. فَقَالَت: بلَى فصححناه جَمِيعًا ثمَّ جَاءَ الْحجاب فكسروا فأستخرجوني فأدخلت على الْمَأْمُون فَأَقْبَلت أرقص من أقْصَى الإيوان وأصفق بيَدي وأغنى الضَّرْب فَسمع وسمعوا مَا لم يعرفوه فأستظرفوه فَقَالَ الْمَأْمُون: أدن يَا علوِيَّة رد على الصَّوْت. فرددته سبع مَرَّات. فَقَالَ: أَنْت الَّذِي تشتاق إِلَى ظلّ صَاحب يرق لَك ويصفو إِن كدرت عَلَيْهِ. فَقلت: نعم. قَالَ: فَخذ منى الْخلَافَة وَأَعْطِنِي هَذَا الصاحب بدلهَا.
سَمِعت عَمْرو بن بانة يَقُول: كنت يَوْمًا عِنْد صَالح بن الرشيد فَقَالَ لي صَالح: لست تطرح على جواري وغلماني مَا أستجيده. قَالَ فَقلت: وَيلك مَا أبغضك أبْعث إِلَى منزلي فجِئ بالدفاتر فَجَاءَنِي بالدفاتر فَأخذ دفترا مِنْهَا ليتخير فَمر بِشعر الْحُسَيْن ابْن الضَّحَّاك:
(أطل حزنا وأبك الْأمين مُحَمَّدًا ... بحزن وَإِن خفت الحسام المهندا)
(وَلَا فَرح الْمَأْمُون بِالْملكِ بعده ... وَلَا زَالَ فِي الدُّنْيَا طريدا مشردا)
فَقَالَ: أَنْت تعلم أَن الْمَأْمُون يجيئني فِي كل سَاعَة فَإِن قَرَأَ هَذَا مَا يكون؟ . ثمَّ دَعَا بسكين فحكه. وَصعد الْمَأْمُون من الدرجَة وَرمى صَالح بالدفتر فَقَالَ الْمَأْمُون يَا غُلَام: الدفتر. فَأتى بِهِ فَنظر فِيهِ فَوقف على الحك فَقَالَ الْمَأْمُون: إِن قلت لكم مَا كُنْتُم فِيهِ تصدقوني. قُلْنَا: نعم قَالَ يَنْبَغِي أَن يكون أخي قَالَ لَك أبْعث فجِئ بدفاترك لنتخير مَا نطرح فَوقف على هَذَا الشّعْر فكره أَن أرَاهُ فَأمر بحكه وَقَالَ لي:
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute