مَا بَيْنكُم من ابْتغى الْهدى من غَيره أضلّهُ الله إِلَى قَوْله من قَالَ بِهِ صدق وَمن حكم بِهِ عدل وَمن دعى اليه هدى إِلَى صِرَاط مُسْتَقِيم الحَدِيث بِطُولِهِ كَمَا تقدم
الْوَجْه التَّاسِع إِن الدّين قد جَاءَ بِهِ الرَّسُول صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَفرغ مِنْهُ بِهِ وَلم يبْق بعد تَصْدِيقه بِهِ بِدلَالَة المعجزات الباهرات إِلَّا اتِّبَاع الدّين الْمَعْلُوم الَّذِي جَاءَ بِهِ لَا استنباطه بدقيق النّظر كَمَا صنعت الفلاسفة الَّذين لم يتبعوا الرُّسُل وعَلى هَذَا درج السّلف وَلذَلِك قَالَ مَالك لمن جادله كلما جَاءَنَا رجل أجدل من رجل تركنَا لجدله مَا أنزل على مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وروى مَالك فِي الْمُوَطَّأ عَن عمر بن الْخطاب رَضِي الله عَنهُ أَنه قَالَ (أَيهَا النَّاس قد سنت لكم السّنَن وفرضت لكم الْفَرَائِض وتركتم على السّنة الْوَاضِحَة لَيْلهَا كنهارها إِلَّا أَن تضلوا بِالنَّاسِ يَمِينا وَشمَالًا وروى ابْن مَاجَه نَحْو هَذَا مَرْفُوعا من حَدِيث أبي الدَّرْدَاء يُوضحهُ أَنه لَو كَانَ الدّين مأخوذا من النّظر لَكنا قبل النّظر غير عَالمين مَا هُوَ دين الاسلام وَإِنَّمَا نخترعه نَحن وَهَذَا بَاطِل ضَرُورَة
يزِيدهُ وضوحا وَجْهَان أَحدهمَا الاحاديث الصَّحِيحَة الْمَشْهُورَة بل المتواترة فِي حصر أَرْكَان الاسلام والايمان والتنصيص عَلَيْهَا وتداول الصَّحَابَة فَمن بعدهمْ لَهَا يَرْوِيهَا سلفهم لخلفهم وخلفهم عَن سلفهم وَاضِحَة جَامِعَة لشرائط الاسلام والايمان واحترام أَهلهَا وَأَنه لَا يحل دم امْرِئ جمعهَا ودان بهَا وَفِي مَعْنَاهَا من كتاب الله تَعَالَى قَوْله تَعَالَى {وَمَا أمروا إِلَّا ليعبدوا الله مُخلصين لَهُ الدّين حنفَاء ويقيموا الصَّلَاة ويؤتوا الزَّكَاة وَذَلِكَ دين الْقيمَة} وَكَذَلِكَ قَوْله تَعَالَى {إِن الدّين عِنْد الله الْإِسْلَام وَمَا اخْتلف الَّذين أُوتُوا الْكتاب إِلَّا من بعد مَا جَاءَهُم الْعلم بغيا بَينهم} وَكَذَلِكَ قَوْله تَعَالَى {قل يَا أهل الْكتاب تَعَالَوْا إِلَى كلمة سَوَاء بَيْننَا وَبَيْنكُم أَلا نعْبد إِلَّا الله وَلَا نشْرك بِهِ شَيْئا وَلَا يتَّخذ بَعْضنَا بَعْضًا أَرْبَابًا من دون الله فَإِن توَلّوا فَقولُوا اشْهَدُوا بِأَنا مُسلمُونَ}