كَانَ هَذَا الْمُخْتَصر وَأَمْثَاله من بداياته الَّتِي تعينه على مقْصده وتوصله إِلَى مُرَاده لأَنهم أَجمعُوا على أَن الشَّرِيعَة لمعارفهم كاللبن للزبد وَمن لَا لبن لَهُ لَا زبد لَهُ وَهَذِه الْمُقدمَة للشريعة وتصفية الْقُلُوب المشبهين بِاللَّبنِ والزبد بِمَنْزِلَة الرّوح الَّذِي لولاها لما كَانَ الْحَيَوَان وَلَا الزّبد وَلَا اللَّبن وَلكنهَا حَاصِلَة فِي الِابْتِدَاء بالفطرة من الله سُبْحَانَهُ وَله الْحَمد فَمن كملت فِيهِ وسلمت من التَّغْيِير لم يحْتَج إِلَى شَيْء من هَذَا وان نظر فِيهِ قوي مَا هُوَ عَلَيْهِ من الْفطْرَة بِمَنْزِلَة السَّقْي لما يشرب بعروقه من الْبَحْر فانه لَا يحْتَاج السَّقْي فان سقِِي زَاده قُوَّة وريا والطائفة الثَّانِيَة مِمَّن ذكر الْغَزالِيّ أهل التَّعْلِيم من الامامية وَغَيرهم فانهم زَعَمُوا أَن الْعُقُول لَا تفي بالمعرفة من غير تَعْلِيم الامام الْمَعْصُوم وَلذَلِك تَجِد طالبي المعارف النظرية الْعَقْلِيَّة يتعلمون ذَلِك من شيوخهم وَلَا يُمكن بالتجارب أَن يسْتَقلّ أحدهم بنظره وعقله من غير شيخ ثمَّ يَأْتِي بِتِلْكَ القوانين المتقنة مجودة سَالِمَة من المطاعن وَعِنْدهم أَن هَذَا من التجريبات الضروريات وَقد جود الْغَزالِيّ الرَّد عَلَيْهِم فِي المنقذ من الضلال وَكفى وشفى ثمَّ قَالَ وعَلى تَسْلِيم مَا ذَكرُوهُ فَنحْن نلتزمه وَلَا يضرنا لَكِن امامنا الْمَعْصُوم هُوَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَمَوته لَا يضرنا كَمَا أَن غيبَة امامهم لَا تضر عِنْدهم بل حَالنَا أولى فان امامنا الْمَعْصُوم مَاتَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بعد كَمَال التَّعْلِيم وامامهم غَابَ عَنْهُم قبل ذَلِك وَفِي هَذَا الْمُخْتَصر من التَّعْلِيم النَّبَوِيّ الصَّحِيح الْمُتَوَاتر وَالصَّحِيح الْمَشْهُور مَا لَا يُوجد فِي أَمْثَاله والطائفة الثَّالِثَة أهل النّظر وَقد جمعت فِي هَذَا الْمُخْتَصر صفوة أنظارهم وخلاصة أدلتهم ونقاوتها وقصدت تقويتها ورسوخ الْيَقِين فِيهَا بِجمع شواهدها وبراهينها الجلية الْقَرِيبَة الغاسلة لأدران الشكوك والريبة النَّازِلَة من أهل الايمان بِمَنْزِلَة المَاء القراح من العطشان الْمَشْهُورَة بَين أهل الْبَيْت الطيبين وَالصَّحَابَة وَالتَّابِعِينَ وَسَائِر السّلف الصَّالِحين الَّتِي لَا يجر الْخَوْض فِيهَا إِلَى شَيْء من الْبِدْعَة وَلَا المخاطرة فِي الدّين وَلَا يُمكن أَن يكون فِيهَا شَيْء غَيره أحوط مِنْهُ فِي علمي وَالله الْمُسْتَعَان والمستغاث وَالْهَادِي سُبْحَانَهُ لَا إِلَه إِلَّا هُوَ وَهُوَ حسبي وَنعم الْوَكِيل
وَاعْلَم أَنِّي بنيت هَذَا الْمُخْتَصر على بَيَان الْحق وَتَقْرِيره فِي هَذِه الْأُمُور السَّبْعَة لَا سواهَا وَمَا زَاد على ذَلِك من مواهب الله وعوارفه ومعارفه