وَلَو كَانَ الْأَمر كَذَلِك لَكَانَ الْخلق كلهم مشبهة إِذْ لَا أقل من إِثْبَات الْمُشَاركَة فِي الْوُجُود بل الْمُمَاثلَة عبارَة عَن الْمُشَاركَة فِي النَّوْع والماهية فالفرس وَإِن كَانَ بَالغا فِي الكياسة لَا يكون مثلا للانسان لِأَنَّهُ مُخَالف لَهُ بالنوع وَإِنَّمَا يشابهه بالكياسة الَّتِي هِيَ عارضة خَارِجَة عَن الْمَاهِيّة المقومة للذات الانسانية والخاصية الالهية أَنه سُبْحَانَهُ الْمَوْجُود الْوَاجِب الْوُجُود بِذَاتِهِ الَّتِي عَنْهَا يُوجد مَا فِي الامكان وجوده على أحسن الْوُجُوه فِي النظام والكمال وَهَذِه الْخَاصَّة لَا يتَصَوَّر فِيهَا مُشَاركَة أَلْبَتَّة والمماثلة لَا تحصل إِلَّا بهَا فكون العَبْد صبورا شكُورًا لَا يُوجب الْمُمَاثلَة كَكَوْنِهِ سمعيا بَصيرًا عَالما قَادِرًا حَيا فَاعِلا بل أَقُول خاصية الالهية لَيْسَ إِلَّا لله عز وَجل وَلَا يعرفهَا إِلَّا الله وَلَا يتَصَوَّر أَن يعرفهَا إِلَّا هُوَ أَو مثله لَو كَانَ لَهُ مثل فحين لم يكن لَهُ مثل فَلَا يعرفهَا غَيره فاذا الْحق مَا قَالَه الْجُنَيْد رَحمَه الله تَعَالَى لَا يعرف الله إِلَّا الله إِلَى قَوْله بل أَزِيد فَأَقُول لَا يعرف أحد حَقِيقَة الْمَوْت وَالْجنَّة وَالنَّار إِلَّا بعد الْمَوْت وَدخُول الْجنَّة وَالنَّار لِأَن الْجنَّة عبارَة عَن أَسبَاب ملذة وَلَو فَرضنَا شخصا لم يدْرك قطّ لَذَّة لم يمكننا أصلا أَن نفهمه الْجنَّة تفهيما يرغبه فِيهَا وَكَذَلِكَ إِذا أدْرك شَيْئا من اللَّذَّات فغايتنا أَن نفهمه الْجنَّة بأعظم مَا ناله من تِلْكَ اللَّذَّات فان كَانَ فِي الْجنَّة لَذَّة مُخَالفَة لهَذِهِ اللَّذَّات فَلَا سَبِيل إِلَى تفهيمها أصلا إِلَّا بالتشبيه بِهَذِهِ الْمُخَالفَة لَهَا كَمَا ذَكرْنَاهُ فِي تَشْبِيه لَذَّة النِّكَاح بحلاوة السكر مَتى طالبنا الصَّغِير وَمن لَا يَشْتَهِي النِّكَاح أَن نعرفه ذَلِك بل الْعبارَة الصَّحِيحَة عَن الْجنَّة أَنَّهَا مَا لَا عين رَأَتْ وَلَا أذن سَمِعت وَلَا خطر على قلب بشر
فَكيف يتعجب من قَوْلنَا لم يحصل أهل السَّمَوَات وَالْأَرْض من معرفَة الله تَعَالَى إِلَّا على الاسماء إِلَى قَوْله فان قلت فاذا لم يعرف حَقِيقَة ذَاته فَهَل تعرف حقائق الاسماء قُلْنَا هَيْهَات ذَلِك لَا يعرفهُ بالكمال إِلَّا هُوَ لأَنا إِذا علمنَا ذاتا عَالِمَة فقد علمنَا شَيْئا مُجملا لَا نَدْرِي مَا حَقِيقَته لَكِن نَدْرِي أَن لَهُ صفة الْعلم فان كَانَت صفة الْعلم مَعْلُومَة لنا حَقِيقَة كَانَ علمنَا بهَا علما تَاما وَإِلَّا فَلَا وَلكنه لَا يعرف أحد حَقِيقَة علم الله إِلَّا من لَهُ مثل علمه وَلَيْسَ ذَلِك إِلَّا لَهُ وَإِنَّمَا يعرفهُ غَيره بالتشبيه بِعلم نَفسه وَعلم الله لَا يُشبههُ علم الْخلق أَلْبَتَّة فَلَا يكون معرفتهم بِعِلْمِهِ معرفَة تَامَّة بل إلهامية تشبيهية فَلَا تعجبن من