بِأَفْضَل الاعمال وَمِنْه قَوْله تَعَالَى {وَيُعلمهُم الْكتاب وَالْحكمَة} فان النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لم يكن يعلمهُمْ الصناعات بالاجماع وَإِنَّمَا كَانَ يعلمهُمْ أفضل الْأَعْمَال من أحسن الْأَخْلَاق وعَلى هَذَا التَّفْسِير قَوْله تَعَالَى {حِكْمَة بَالِغَة فَمَا تغن النّذر} وَقَوله تَعَالَى {وَلَقَد آتَيْنَا لُقْمَان الْحِكْمَة أَن اشكر لله وَمن يشْكر فَإِنَّمَا يشْكر لنَفسِهِ} وَقَوله تَعَالَى {وَمَا أنزل عَلَيْكُم من الْكتاب وَالْحكمَة يعظكم بِهِ} وَكَذَلِكَ قَوْله تَعَالَى {وَمَا أرسلنَا من رَسُول إِلَّا بِلِسَان قومه ليبين لَهُم فيضل الله من يَشَاء وَيهْدِي من يَشَاء وَهُوَ الْعَزِيز الْحَكِيم} وَقَول عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَام {وَإِن تغْفر لَهُم فَإنَّك أَنْت الْعَزِيز الْحَكِيم} فانه لَا يَصح تَأْوِيل الْحَكِيم فِي هَاتين الْآيَتَيْنِ وَغَيرهمَا بالمحكم لعدم الْمُنَاسبَة كَمَا سَيَأْتِي
وَعبارَة أهل الْكَلَام فِي تَفْسِير الْحِكْمَة أَنَّهَا اثبات دَاع رَاجِح إِلَى جَمِيع مَا فعله الله وأراده وان خَفِي على خلقه أَو كثير مِنْهُم والمرجع بِهَذَا الدَّاعِي إِلَى علم الله تَعَالَى بالمصالح والغايات الحميدة وَسبب وُقُوع الْخلاف فِي ذَلِك أَن قوما مِمَّن أثبت الْحِكْمَة غلوا فِي ذَلِك فأوجبوا معرفَة الْعُقُول للحكمة بِعَينهَا على جِهَة التَّفْصِيل فجاؤا بأَشْيَاء ركيكة فَرد عَلَيْهِم ذَلِك طَائِفَة من الاشعرية وغلوا فِي الرَّد وَأَرَادُوا حسم مواد الِاعْتِرَاض بِنَفْي التحسين الْعقلِيّ واستلزم ذَلِك نفي الْحِكْمَة فتجاوزوا الْحَد فِي الرَّد فوقعوا فِي أبعد مِمَّا ردُّوهُ وَأَشد وَخير الامور أوسطها
وَالْقَوْل بحكمة الله تَعَالَى أوضح من أَن يرْوى عَن صَحَابِيّ أَو تَابِعِيّ أَو مُسلم سَالم من تَغْيِير الْفطْرَة الَّتِي فطر الله خلقه عَلَيْهَا وَلذَلِك تقر بِهِ الْعَوام من كل فرقة ويقر بِهِ كل من لم يَتَلَقَّن خِلَافه من اتِّبَاع غلاة بعض الْمُتَكَلِّمين على مَا فيهم من الشذوذ وَقد اجتهدوا واحتالوا فِي تَحْسِين مَذْهَبهم بِمُجَرَّد عِبَارَات مزخرفة لَيْسَ تحتهَا أثارة من علم مثل تَسْمِيَة الْحِكْمَة الْعلَّة وإبهام