بَاب قَول الله عز وَجل وَهُوَ الَّذِي خلق السَّمَوَات وَالْأَرْض بِالْحَقِّ ثمَّ روى حَدِيث ابْن عَبَّاس كَانَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَدْعُو من اللَّيْل وَذكر دعاءه وَفِيه أَنْت الْحق وقولك الْحق وَوَعدك الْحق وَالْجنَّة حق وَالنَّار حق والساعة حق وَذَلِكَ من البُخَارِيّ إِشَارَة إِلَى مَذْهَب أهل السّنة فِي إِثْبَات الْحِكْمَة
وَمن ذَلِك مَا ورد فِي تَعْلِيل الْعَذَاب بالاعمال والاستحقاق مثل {جَزَاء بِمَا كَانُوا يعْملُونَ} وَهُوَ أصرح وَأكْثر وَأشهر من أَن يذكر بل هُوَ من المعلومات من ضَرُورَة الدّين وَكَذَلِكَ جَاءَ صَرِيح التَّعْلِيل فِي الْأَحْكَام كَقَوْلِه تَعَالَى {من أجل ذَلِك كتبنَا على بني إِسْرَائِيل} الْآيَة وَقد ذكرت فِي العواصم فِي هَذِه أَكثر من مائَة آيَة من كتاب الله مِمَّا تقشعر الْجُلُود لمُخَالفَة آيَة وَاحِدَة مِنْهَا وَإِنَّمَا اقتصرت على مَا هُنَالك خوفًا من الاملال وَقد ذكر ابْن قيم الجوزية فِي الْجَواب الْكَافِي أَن فِي ذَلِك قدر ألف آيَة من كتاب الله ذكره فِي فَائِدَة الْعَمَل مَعَ الْقدر فِي تَرْتِيب الاشياء على الاسباب فِي حِكْمَة الله تَعَالَى
وَمن ذَلِك قَول نوح عَلَيْهِ أفضل السَّلَام {إِن ابْني من أَهلِي وَإِن وَعدك الْحق وَأَنت أحكم الْحَاكِمين} فان لَفْظَة أحكم هُنَا مُبَالغَة فِي الْحِكْمَة الَّتِي هَذَا موضعهَا لما فِي كَلَامه من التلطف بتنزيه الله عَن الْخلف فِي الميعاد وَلَا يَصح أَن يكون أحكم هُنَا مُبَالغَة فِي الاحكام إِذْ لَا مُنَاسبَة لذَلِك بِهَذَا الْمقَام وَلذَلِك كَانَ الْجَواب على نوح عَلَيْهِ السَّلَام بِأَنَّهُ عمل غير صَالح فبينت لَهُ الْحِكْمَة على التَّعْيِين لتقرير اعْتِقَاده الْجملِي لَهَا فكشف لَهُ بهَا أَن الْوَعْد سبق لَهُ مُتَعَلق بأَهْله الصَّالِحين وَقد روى أت الْوَجْه فِي اشْتِبَاه ذَلِك على نوح أَن ابْنه كَانَ منافقا وَكَانَ علم نفَاقه من علم الْغَيْب الَّذِي يخْتَص الله بِهِ وَلَو كَانَ عدم صَلَاحه بِأَمْر بَين لم يخف ذَلِك عَلَيْهِ وَهَذَا وَجه جيد وَالله أعلم وَمن ذَلِك قَوْله تَعَالَى {أم تَأْمُرهُمْ أحلامهم بِهَذَا أم هم قوم طاغون}