شَيْء من الموجودات بل الى اسْتِحَالَة وجود الممكنات من جَمِيع الْمَخْلُوقَات لعدم رُجْحَان وَقت على وَقت وَمَكَان على مَكَان وَقدر على قدر فَيلْحق الْقَادِر حِينَئِذٍ بالعاجز ويتعذر الِاخْتِيَار على جَمِيع المختارين وانتهينا الى مَسْأَلَة لَا تَنْتَهِي لتعارض الدَّوَاعِي المستدعية للْوَقْف وَترك جَمِيع الْأَفْعَال وَهَذَا خُرُوج من الْمَعْقُول فان العاطش الجيعان لَو حضر عِنْده كيزان كَثِيرَة ورغفان كَثِيرَة وَهُوَ لَا يَأْكُل معتذرا بَان الدَّوَاعِي الى تَخْصِيص كل كوز وكل رغيف تَعَارَضَت عَلَيْهِ حَتَّى لم يتَمَكَّن من الاكل وَالشرب وَدفع الضَّرَر الْعَظِيم لعد من المجانين
وَالْجَوَاب عَن هَذِه الوساوس ان الله يخْتَص برحمته من يَشَاء وانه فِي ذَلِك الْعَلِيم الْحَكِيم الْخَبِير الْبَصِير وَمَتى دعت الْحِكْمَة الى أحد الامرين المستويين بَادر جَمِيع الْعُقَلَاء الى تَخْصِيص أَحدهمَا محمودين على ذَلِك غير ملومين سَوَاء كَانَ ذَلِك التَّخْصِيص مُسْتَندا الى مُرَجّح خَفِي أم الى الْحِكْمَة الاولى
وَمن ذَلِك الحَدِيث المقلوب الَّذِي خرجه البُخَارِيّ فِي التَّوْحِيد فِي الْبَاب الْخَامِس وَالْعِشْرين فِي قَوْله عز وَجل {إِن رَحْمَة الله قريب من الْمُحْسِنِينَ} فانه خرج فِيهِ عَن عبَادَة حَدِيثا مَرْفُوعا انما يرحم الله من عباده الرُّحَمَاء وَحَدِيث انس مَرْفُوعا ليصيبن أَقْوَامًا سفع من النَّار بذنوب أصابوها ثمَّ يدخلهم الله الْجنَّة بِفضل رَحمته ثمَّ أَرَادَ تَأْكِيد هذَيْن الْحَدِيثين فِي رَحْمَة الله تَعَالَى بِحَدِيث ثَالِث لابي هُرَيْرَة وَقد رَوَاهُ على الصَّوَاب قبل هَذَا الْموضع من طَرِيق اتّفق على صِحَّتهَا هُوَ وَمُسلم وَغَيرهمَا ثمَّ جَاءَ بِهِ فِي هَذَا الْموضع من طَرِيق أُخْرَى لم يُوَافقهُ عَلَيْهَا مُسلم وَلَا غَيره من أهل السّنَن وانما أَرَادَ تَقْوِيَة أصل الحَدِيث وَمَا فِيهِ من معنى الرَّحْمَة الْمُتَّفق عَلَيْهَا فَقَالَ حَدثنَا عبيد الله بن سعيد قَالَ حَدثنَا يَعْقُوب يَعْنِي ابْن ابراهيم بن سعد الزُّهْرِيّ قَالَ حَدثنَا أبي عَن صَالح بن كيسَان عَن الاعرج عَن أبي هُرَيْرَة عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ اختصمت الْجنَّة وَالنَّار الى ربهما فَقَالَت الْجنَّة يَا رب مَالهَا لَا يدخلهَا الا ضعفاء النَّاس وَسَقَطهمْ وَقَالَت النَّار فَقَالَ للجنة أَنْت رَحْمَتي وَقَالَ للنار أَنْت عَذَابي أُصِيب بك من أَشَاء وَلكُل وَاحِدَة مِنْكُمَا ملؤُهَا