على ذَلِك قَالَ وَالرِّوَايَات الصَّحِيحَة وَنَصّ الْقُرْآن يردهُ فان الله تَعَالَى أخبر أَنه يمْلَأ جَهَنَّم من إِبْلِيس وَأَتْبَاعه وَأَنه لَا يعذب الا من قَامَت عَلَيْهِ الْحجَّة وَكذب رسله قَالَ تَعَالَى {كلما ألقِي فِيهَا فَوْج سَأَلَهُمْ خزنتها ألم يأتكم نَذِير قَالُوا بلَى قد جَاءَنَا نَذِير فكذبنا وَقُلْنَا مَا نزل الله من شَيْء}
قلت وَيدل على هَذَا وُجُوه مِنْهَا ان رَاوِي هَذَا الحَدِيث المقلوب جعل تَنْزِيه الله تَعَالَى من الظُّلم عِنْد ذكره الْجنَّة فأوهم بذلك ان من أدخلهُ الله تَعَالَى الْجنَّة بِغَيْر عمل كَانَ ظلما وَهَذَا من أفحش الْخَطَأ فان الْحور الْعين فِي الْجنَّة والاطفال بِغَيْر عمل وَهَذَا هُوَ الْموضع الَّذِي لَا يُسمى ظلما عِنْد أحد من الْمُسلمين وَلَا من الْعُقَلَاء أَجْمَعِينَ وَلَا أَشَارَ الى ذَلِك شَيْء من الحَدِيث وَلَا من السّنة وَلَا من اللُّغَة وَلَا من الْعرف وانما ذكر هَذَا فِي النَّار اشارة الى أَن التعذيب بِغَيْر ذَنْب هُوَ شَأْن الظَّالِمين من الْخلق وَالله تَعَالَى حرم الظُّلم على نَفسه وَجعله بَين خلقه محرما كَمَا رَوَاهُ أَبُو ذَر عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَن ربه عز وَجل فِي الحَدِيث الصَّحِيح بل كَمَا تمدح بذلك رب الْعَالمين فِي كِتَابه الْمُبين
الْوَجْه الثَّانِي انه قصر فِي سِيَاقه الْمَتْن فَقَالَ وَقَالَت النَّار وَلم يذكر مَا قَالَت وَلَا سكت من قَوْله قَالَت قَالَ ابْن بطال فِي شَرحه وَهُوَ كَذَلِك فِي جَمِيع النّسخ وَذكر هَذَا الرَّاوِي قَول الله تَعَالَى للجنة أَنْت رَحْمَتي وَلم يتمم قَوْلهَا لَهَا أرْحم بك من أَشَاء من عبَادي وَالنَّقْص فِي الْحِفْظ والركة فِي الرِّوَايَة بَين على حَدِيثه
الْوَجْه الثَّالِث تجنب الْمُحدثين لاخراج هَذِه الرِّوَايَة مثل مُسلم وَالنَّسَائِيّ مَعَ روايتهما الحَدِيث وَمثل أَحْمد بن حَنْبَل فِي مُسْنده مَعَ توسعه فِيهِ وَكَذَلِكَ ابْن الْجَوْزِيّ فِي جمعه أَحَادِيث البُخَارِيّ وَمُسلم ومسند أَحْمد وَكَذَلِكَ ابْن الاثير فِي جَامع الاصول وَهُوَ يعْتَمد الْجمع بَين الصَّحِيحَيْنِ للحميدي والْحميدِي انما يتْرك مَا لَيْسَ على شَرط البُخَارِيّ مِمَّا ذكره فِي صَحِيحه مثل حَدِيث الْفَخْذ عَورَة فانه ترك ذكره لذَلِك كَمَا ذكر ابْن الصّلاح فِي عُلُوم