الْوَجْه الْخَامِس أَنه لَو قدر مَا لَا يتَقَدَّر من وُرُود حَدِيث صَحِيح بذلك الْغَلَط لم يدل على مُخَالفَة جَمِيع مَا عَارضه من الْأَدِلَّة القاطعة والحجج الساطعة لِأَنَّهُ مُحْتَمل لموافقتها فانه لم يُصَرح فِيهِ بِأَنَّهُ ينشيء للنار خلقا لَا ذنُوب لَهُم وَلَا قَالَ فيدخلهم النَّار قبل أَن يذنبوا ويستحقوا الْعَذَاب وَإِذا لم ينص على ذَلِك وَجب تَقْدِير ذَلِك لموافقة سنة الله تَعَالَى الَّتِي لَا تَبْدِيل لَهَا وَلَا تَحْويل وَذَلِكَ على أحد وَجْهَيْن إِمَّا أَن يكون هَؤُلَاءِ الَّذين أنشأهم الله لَهَا هم قوم من كفار بني آدم الَّذين تقدم كفرهم وَقدم ادخارهم لَهَا بعد كفرهم وسمى اعادتهم لَهَا انشاء لِأَنَّهَا انشاء حَقِيقِيّ لصورهم وردهم على مَا كَانُوا أَو لِأَنَّهُ كَانَ قد أعدمهم وَهَذَا اخْتِيَار كثير من أهل السّنة بل من الأشعرية فقد نَص عَلَيْهِ ابْن بطال فِي شرح البُخَارِيّ فِي شرح هَذَا الحَدِيث فَأصَاب فِي وَجه وَأَخْطَأ فِي وَجه أما صَوَابه فَفِي تنزيهه الله تَعَالَى مِمَّا توهمه غَيره جَائِزا على الله سُبْحَانَهُ وَأما خطأه فَفِي إيهامه أَن الحَدِيث صَحِيح وَهُوَ مقلوب بِغَيْر شُبْهَة وَإِنَّمَا خَفِي ذَلِك عَلَيْهِ لِأَنَّهُ لم يكن من أَئِمَّة الحَدِيث وَإِنَّمَا كَانَ من عُلَمَاء الْفِقْه وَالْكَلَام وَإِمَّا أَن يكون الله تَعَالَى خلق للنار خلقا مستأنفا فكلفهم بعد خلقهمْ فَكَفرُوا فاستحقوها كَمَا ورد فِي بعض أَحَادِيث الاطفال وَفِي هَذَا مبَاحث قد استوفيت هُنَالك وَإِمَّا أَن يكون خلق لَهَا خلقا لَا يتألم بهَا أَو يتلذذ بهَا أَو من الجمادات كَمَا قَالَ الله تَعَالَى {وقودها النَّاس وَالْحِجَارَة} وَجَاء فِيهَا بضمير الْعُقَلَاء لأَنهم بدل مِنْهُم كَمَا قَالَ يُوسُف عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام {إِنِّي رَأَيْت أحد عشر كوكبا وَالشَّمْس وَالْقَمَر رَأَيْتهمْ لي ساجدين} أَو لغير ذَلِك وَمَعَ الِاحْتِمَال بعض هَذِه الْوُجُوه فِي بَيَان غلط بعض الروَاة الَّذِي قَامَت الْأَدِلَّة على غلطه كَيفَ يعدل إِلَى ظَاهره وَيُسمى صَحِيحا ويحتج بِهِ مثل الْمُهلب وَصَاحب الْقَوَاعِد وَغَيرهمَا فَالله الْمُسْتَعَان