للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

وَلِأَنَّهُ أشرف وأبرك وَأَصَح وأنجي وأولي وأحري وأعلي وأهدي بالاجماع

فان قبل تَجْوِيز بعض مَا يستقبح فِي عقول الْعُقَلَاء لحكمة لَا يعلمونها يسْتَلْزم تَجْوِيز بعثة الْكَذَّابين وَالْكذب وَالْخلف فِي الْوَعْد والوعيد وَنَحْو ذَلِك لحكمة لَا يعلمهَا إِلَّا الله تعالي

قُلْنَا هَذَا مَمْنُوع لوَجْهَيْنِ الْوَجْه الاول أَن تقبيح الْعُقُول يَنْقَسِم إِلَى قسمَيْنِ ضَرُورِيّ وظني وَنحن مَا جَوَّزنَا أَن يصدر من الله تَعَالَى كل قَبِيح على الاطلاق لحكمة خُفْيَة إِنَّمَا جَوَّزنَا ذَلِك فِي الْقسم الَّذِي التقبيح فِيهِ ظَنِّي يَقع فِي مثله الِاخْتِلَاف بَين الْجَاهِل والعالم وَبَين الْعَالم والاعلم وَلَا شكّ أَن اخْتِيَار الْكَذِب وَبَعثه الْكَذَّابين بالمعجزات وَالْخلف فِي الْوَعْد بِالْخَيرِ مِمَّن هُوَ على كل شَيْء قدير وَبِكُل غيب عليم وترجيحه على الصدْق وبعثة الصَّادِقين مَعَ أَن قدرته عَلَيْهِمَا على السوَاء قَبِيح قبحا ضَرُورِيًّا قبحا أَشد الْقبْح فِي عقول الْعُقَلَاء أما أَن لم يجوز فِي ذَلِك خير فَظَاهر وَأما أَن جوز فِيهِ شَيْء من الْخَيْر فَلَا شكّ أَن الصدْق وبعثة الصَّادِقين أَكثر خيرا ودفعا للْفَسَاد والمفاسد وجلبا للصلاح والمصالح وتجويز خلاف ذَلِك يُؤَدِّي إِلَى أَن لَا يوثق لله تَعَالَى بِكَلَام وَلَا لأحد من رسله الْكِرَام فِي دين وَلَا دنيا وَلَا جد وَلَا هزل وَلَا حَلَال وَلَا حرَام وَلَا وعد وَلَا وَعِيد وَلَا عهد وَلَا عقد وَلَا أعظم فَسَادًا مِمَّا يُؤَدِّي إِلَى هَذَا بِحَيْثُ أَن كثيرا من السُّفَهَاء والظلمة والمفسدين لَا يرضون لنفوسهم بِمثل ذَلِك

الْوَجْه الثَّانِي إِن الَّذِي يحسن حِينَئِذٍ لبَعض القبائح لبَعض الْعُقَلَاء إِنَّمَا هُوَ الِاضْطِرَار إِلَى عدم الْخَلَاص من أحد قبيحين فيختار حِينَئِذٍ الأهون مِنْهُمَا قبحا كَمَا قيل حنانيك بعض الشَّرّ أَهْون من بعض مِثَاله من لم يسْتَطع حقن دم مَعْصُوم أَو مُسلم مظلوم إِلَّا بكذب أَو خلف وعد أَو نَحْو ذَلِك حسن مِنْهُ دفع الشَّرّ الْأَعْظَم بِالشَّرِّ الْأَقَل وَمثل هَذَا لَا يتَصَوَّر فِي حق الرب جلّ جَلَاله لما ثَبت من أَنه على كل شَيْء قدير وَبِكُل شَيْء عليم وَأما الْخلف فِي الْوَعيد فَلَيْسَ هُوَ فِي مرتبَة الْقَبِيح الضَّرُورِيّ لشهرة الْخلاف فِيهِ بَين الْعُقَلَاء وَصِحَّة تَسْمِيَته فِي اللُّغَة عفوا لَا خلفا كَمَا قَالَ كَعْب بن زُهَيْر فِي قصيدته الْمَعْرُوفَة

<<  <   >  >>