(يُرِيد الْمَرْء أَن يُعْطي مناه ... ويأبى الله إِلَّا مَا أَرَادَ)
أَي يحب أَن يعْطى مناه فَتَأمل ذَلِك لتعرف موَاضعه حَيْثُ يتعارض السّمع فانه قد تقدم قَول الشهرستاني أَن الارادة الْمَحْضَة الَّتِي لَيست بِمَعْنى الْمحبَّة لَا تعلق بِأَفْعَال الْغَيْر وَإِنَّمَا تعلق من كل مُرِيد بِأَفْعَال نَفسه وَأَن الارادة الَّتِي تعلق بِفعل الْغَيْر هِيَ الْمحبَّة لَكِن أهل الْكَلَام من الأشعرية والمعتزلة لَا يجيزونها على الله تَعَالَى وَأهل السّنة والمتكلمون مِنْهُم كَابْن تَيْمِية وَمن تَابعه يجيزونها مُجَرّدَة من نقائصها المختصة بالمخلوقين كَسَائِر الصِّفَات صِفَات الله تَعَالَى اتبَاعا مِنْهُم لنصوص الْكتاب وَالسّنة وَالسَّلَف وَقد تقدم طَرِيق أهل السّنة فِي هَذَا وَأَمْثَاله عِنْد الْكَلَام على الرَّحْمَن الرَّحِيم وَسَائِر الْأَسْمَاء الْحسنى وَإِن مُجَرّد الِاشْتِرَاك فِي لفظ مَعَ الِاخْتِلَاف فِي الْمَعْنى لَا يَقْتَضِي التشيبه
وَقد تقدم كَلَام الْغَزالِيّ فِي ذَلِك الْمَنْقُول من المعصد الْأَسْنَى وَهُوَ كَلَام مجود وأجود مِنْهُ كَلَام ابْن تَيْمِية فِي ذَلِك وَمِثَال ذَلِك صفة الْوُجُود والحي فانهما يطلقان على الله تَعَالَى على صفة الْكَمَال الَّذِي لَا يسْتَلْزم صفة نقص وعَلى عباده على وُجُوه تَسْتَلْزِم جَوَاز الفناء وَالْمَوْت وَالْمَرَض وَاعْتِرَاض الْآفَات والعلل وَلم يسْتَلْزم ذَلِك تَشْبِيها وَكَذَلِكَ محبَّة الله تَعَالَى وَرَحمته وَسَائِر مَا ورد مَنْصُوصا فِي كتاب الله وَسنة رَسُوله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَكَلَام سلف هَذِه الْأمة الصَّالح وشاع بَينهم وذاع وَكثر وَاسْتمرّ من غير تَأْوِيل وَلَا تحذير من اطلاقه بِغَيْر قرينَة الله سُبْحَانَهُ أعلم
وَأما مَوضِع الِاحْتِيَاط فِي هَذِه المباحث فانه مُلَاحظَة إِثْبَات صِفَات الْكَمَال لله تَعَالَى وَنفي صِفَات النَّقْص بتبين وَفِي الْوَقْف حَيْثُ يخفى فَمن صِفَات الْكَمَال الْبَيِّنَة الْمَعْلُومَة من الدّين وَمن إِجْمَاع الْمُسلمين أَن الله على كل شَيْء قدير وَإِن مَا شَاءَ كَانَ وانه يهدي من يَشَاء وَأَن لَهُ الْحجَّة الدامغة وَالْحكمَة الْبَالِغَة وَمن صِفَات النَّقْص المنفية عَنهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى فِي كِتَابه الْكَرِيم أَنه لَا يحب الْفساد وَلَا يرضى لِعِبَادِهِ الْكفْر وَلَيْسَ بظلام للعبيد وَلَا يُرِيد ظلما للعباد وَلَا يُرِيد ظلما للْعَالمين كَمَا قَالَ فِي ذَلِك كُله وانه لم يخلق السَّمَوَات والارض بَاطِلا وَلَا لعبا وَلَا عَبَثا بل خلق ذَلِك وَغَيره بِالْحَقِّ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute