تَعَالَى ثمَّ أَنه ورد النَّهْي عَن الْخَوْض فِي الْقدر وَفِي أَحَادِيث عرفت مِنْهَا عشرَة وَلَيْسَ فِيهَا شَيْء مُتَّفق على صِحَّته وَلَا خرج البُخَارِيّ وَلَا مُسلم مِنْهَا شَيْئا لَكِن خرج أَحْمد بن حَنْبَل مِنْهَا حَدِيثا من طَرِيق عَمْرو بن شُعَيْب عَن أَبِيه عَن جده وَهِي طَرِيق مُخْتَلف فِيهَا اخْتِلَافا كثيرا وَهُوَ يصلح مَعَ الشواهد وَخرج التِّرْمِذِيّ مِنْهَا حَدِيثا عَن أبي هُرَيْرَة وَقَالَ غَرِيب وَفِي سَنَده صَالح الْمزي لَكِن خرج الْبَزَّار لَهُ اسنادين آخَرين قَالَ الهيثمي رجال أَحدهمَا رجال الصَّحِيح غير عمر بن أبي خَليفَة وَهُوَ ثِقَة وَإِن لم يكن من رجال الصَّحِيح وَخرج الطَّبَرَانِيّ فِي المعجمين الاوسط وَالْكَبِير وَالْحَاكِم حَدِيث ابْن عَبَّاس فِي ذَلِك وَقَالَ الْحَاكِم صَحِيح على شَرطهمَا وَلَا نعلم لَهُ عِلّة
قلت رَوَاهُ السُّبْكِيّ مَوْقُوفا وَلم يذكر رَفعه وَإِن سلم من الاعلال بذلك كَانَ أصلحها اسنادا وَمعنى ذَلِك إِذا صَحَّ إِن شَاءَ الله تَعَالَى التحذير من مجاراة المبتدعة فِي الْقدر والمراء بِغَيْر علم على وَجه يُؤَدِّي إِلَى إثارة الشَّرّ وَالشَّكّ كَمَا هُوَ ظَاهر حَدِيث أبي هُرَيْرَة وَأخر الْكَلَام فِي الْقدر لشرار أمتِي فِي آخر الزَّمَان فَالَّذِي أخر هُوَ مَا ذكرته فَأَما الْخَوْض فِيهِ على جِهَة التَّعَلُّم والتعرف لما جَاءَت بِهِ الشَّرِيعَة ثمَّ الايمان بِهِ بعد مَعْرفَته على الْوَجْه الْمَشْرُوع فان هَذَا لم يُؤَخر لشرار الامة بل قد تَوَاتر أَن أَصْحَاب رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم سَأَلُوا النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وخاضوا فِي مَعْرفَته وَفِي وجوب الايمان بِهِ فَلم يزجرهم صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَن ذَلِك الْقدر وَلم يتْرك الْجَواب عَلَيْهِم بِالْقدرِ الْوَاجِب على بَيَان ذَلِك
وَقد احْتج ابْن عبد الْبر فِي التَّمْهِيد على ذَلِك بمحاجة آدم ومُوسَى وَهُوَ من أثبت الاحاديث وَأَصَح مَا قيل فِي مَعْنَاهُ أَن لوم مُوسَى لآدَم كَانَ على الْخُرُوج من الْجنَّة واخراجه ذُريَّته مِنْهَا على جِهَة الأسف على فَوَات هَذِه النِّعْمَة وَتلك فِي الْحَقِيقَة مُصِيبَة من فعل الله قدرهَا بِسَبَب ذَنْب آدم عَلَيْهِ السَّلَام لحكمته فِي ذَلِك وَلما قد علمه وقضاه من خلَافَة آدم عَلَيْهِ السَّلَام فِي الأَرْض وَإِلَّا فذنب آدم عَلَيْهِ السَّلَام صَغِير لِأَنَّهُ نَبِي مَعْصُوم عَن الْكَبَائِر وَقد تَابَ أَيْضا والمذنب التائب لَا تجب عَلَيْهِ الْعقُوبَة بِالْخرُوجِ من دَاره وَلَا بِغَيْر ذَلِك فاحتج آدم بسبق الْقَضَاء فِي الْخُرُوج الْحسن لِأَنَّهُ من فعل الله تَعَالَى