حَقِيقِيّ زَائِد على الْمَوْجُود وعَلى أَن الأكوان من الْحَرَكَة والسكون ذَوَات حَقِيقِيَّة لَا صِفَات اضافية فِي ذَلِك كُله نزاع طَوِيل كثير دَقِيق بَين الْعُقَلَاء جملَة تمّ بَين الْمُسلمين ثمَّ بَين الْمُعْتَزلَة وَقد جود أَبُو الْحُسَيْن مِنْهُم وَأَصْحَابه رد ذَلِك على أَصْحَابهم من البهاشمة فِي كتبهمْ
الثَّانِي لَهُم أَيْضا أَن فعل الله تَعَالَى وَفعل الْعباد هُوَ صفة الْوُجُود لَا ذَات الْمَوْجُود وَهَؤُلَاء مثل الْأَوَّلين إِلَّا أَنهم اشْتَركُوا فِي اثبات الامر الرَّابِع الَّذِي عده خصومهم محالا فعينوا مَقْدُور الْقَادِر وَبَقِي عَلَيْهِم سَائِر مَا يرد على أَصْحَابهم وَقد ألزموا جَمِيعًا أَن الله تَعَالَى لَا يخلق شَيْئا قطّ على أصولهم لِأَن الشَّيْء عِنْدهم هُوَ الثَّابِت فِي الْأَزَل والقدم وَصفَة الْوُجُود عِنْدهم لَيست شَيْئا لأَنهم قضوا بالأزلية فِي الْقدَم للشَّيْء وللذات ولصفاتها الذاتية وَلم يبْق إِلَّا صفاتها المقتضاة وَهِي التحيز ثمَّ اخْتلفُوا فِيهِ فَمنهمْ من قضى أَنه ثَابت فِي الْأَزَل أَيْضا حَكَاهُ مُخْتَار فِي الْمُجْتَبى وَابْن متويه فِي التَّذْكِرَة وَلم يقبحه على قَائِله مِنْهُم وَالْقَائِل بِهِ مِنْهُم جرى على مُقْتَضى دليلهم الْعقلِيّ وَذَلِكَ لِأَن الصّفة المقتضاة لَا تخلف عَن مقتضيها وتخلفها عَنهُ محَال أَلا ترى أَن صِفَات القادرية والعالمية وَنَحْوهَا لما كَانَت مقتضاة عِنْدهم من الصّفة الاخص لم تخلف عَنْهَا كَانَت غير حَادِثَة فَكَذَلِك هَذَا لكِنهمْ خَافُوا أَن يتفاحش الامر هُنَا بِلُزُوم قدم الْعَالم جهارا فاعتذروا بِأَن هَذَا التحيز لَا يظْهر إِلَّا بِشَرْط الْوُجُود والوجود بالفاعل وَهُوَ الله تَعَالَى فقد زَعَمُوا أَن التحيز فِي الاجسام لَيْسَ بِهِ تَعَالَى فَلذَلِك لَزِمَهُم أَن الله غير خَالق لشَيْء وَلَا مُؤثر فِيهِ
وَقد حاول ابْن متويه الْجَواب عَن هَذَا فِي تَذكرته بِأَن خلق الشَّيْء واحداثه هُوَ إيجاده وَالله هُوَ الَّذِي حصل لَهُ صفة الْوُجُود وَهَذَا الْجَواب غير مخلص لِأَن معنى الالزام ان اتصاف الشَّيْء عِنْدهم بِأَنَّهُ مُحدث ومخلوق على قواعدهم مجَاز لَا حَقِيقَة لِأَن الشَّيْء عِنْدهم ثَابت فِي الازل غير مَقْدُور لله عز وَجل وَإِنَّمَا الْمَخْلُوق الْمَقْدُور حُدُوثه ووجوده وليسا بِشَيْء عِنْدهم لِأَنَّهُمَا لَو كَانَا شَيْئا كَانَا ثابتين فِي الازل وَذَلِكَ تَصْرِيح بقدم الْعَالم فَلذَلِك قضوا أَنَّهُمَا ليسَا بِشَيْء وَلذَلِك صرح الزَّمَخْشَرِيّ فِي أساس البلاغة أَن الله لَا يُسمى خَالِقًا إِلَّا مجَازًا وكل هَذَا مِمَّا يعترفون بِهِ ويذكرونه فِي مصنفاتهم
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute