مَقْدُور بَين قَادِرين وَكَذَلِكَ اخْتِيَاره لذَلِك الْكسْب وَهُوَ مُخَاطب بالامر وَالنَّهْي مجازى على أَفعاله بالثواب وَالْعِقَاب لما لَهُ فِي فعله واختياره من الْكسْب الِاخْتِيَارِيّ لَا لما الله فيهمَا من الْخلق وَالتَّقْدِير السَّابِق من غير تَمْيِيز للقدر المكسوب من الْقدر الْمَخْلُوق الا بالوجوه والاعتبارات فان الْفرق بهَا ضَرُورِيّ لَان معنى ذَلِك ان العَبْد فعل مَا فعله من ذَلِك طَاعَة وعصيانا وَلَوْلَا انه اوقفه على ذَلِك بارادته لذَلِك وَنِيَّته لم يُوصف بذلك وَلَا تميزت الطَّاعَة من الْمعْصِيَة وَالله سُبْحَانَهُ فعل مَا فعل من ذَلِك امتنانا وامتحانا على مَا يَأْتِي وَلَو فعله على الْوَجْه الَّذِي فعله العَبْد لسمى مُطيعًا وعاصيا وَذَلِكَ محَال فِي حَقه وانما يُسمى بأفعاله خَالِقًا ومحسنا ومبتليا وحكيما وانما قَالُوا ذَلِك وَتركُوا التَّمْيِيز جمعا بَين الْأَدِلَّة المتعارضة الْمُتَقَدّمَة وفرارا من الْخَوْض فِيمَا لم يخض فِيهِ السّلف من الفروق الدقيقة بَين هَذِه الْمعَانِي على نَحْو قَول أبي عَليّ الجبائي فِي تلاوتنا لِلْقُرْآنِ انه كَلَام الله تَعَالَى حَقِيقَة وكلامنا حَقِيقَة وَأَن الله يتَكَلَّم مَعَ كل قَارِئ سَوَاء كَانَ صَادِق النِّيَّة مُطيعًا أَو مرائيا عَاصِيا قَالَ بذلك جمعا بَين الادلة أَدِلَّة الْعقل على ان التِّلَاوَة فعلنَا وكلامنا وَدلَالَة الاجماع على ان كَلَام الله تَعَالَى هُوَ المتلو فِي المحاريب الْمَكْتُوب فِي الْمَصَاحِف وَلذَلِك الْتزم أَن كَلَام الله فِي الْمَصَاحِف حَقِيقَة وان الصَّوْت كامن فِي الْحُرُوف كَمَا نَقله عَنهُ ابْن متوية فِي التَّذْكِرَة وَغَيره فَلم تلْزمهُ الْمُعْتَزلَة الْجَبْر بذلك وَلَا الضلال وَالْكفْر فَكَذَلِك كثير من أهل الحَدِيث والاثر اعتقدوا مثل ذَلِك فِي سَائِر أَفعَال الْعباد على جِهَة الايمان بِأَن الله خَالق كل شَيْء
وَاخْتَارَ هَذَا من متكلميهم جمَاعَة وَهُوَ ظَاهر عبارَة الْبَيْضَاوِيّ فِي الطوالع والسبكي فِي جمع الْجَوَامِع وَالْغَزالِيّ فِي الاحياء فانه نَص فِيهِ على بطلَان الْجَبْر بِالضَّرُورَةِ وعَلى خلق الِاخْتِيَار وَالْفِعْل وروى هَذَا صَاحب الْجَامِع الْكَافِي من عُلَمَاء أهل الْبَيْت الْمُتَقَدِّمين عَن الامام أَحْمد بن عِيسَى بن زيد بن عَليّ عَلَيْهِم السَّلَام وروى فِيهِ عَن أَحْمد بن عِيسَى انه روى عَن عَليّ بن أبي طَالب رَضِي الله عَنهُ ان رجلا سَأَلَهُ عَن أَفعَال الْعباد فَقَالَ هِيَ من الله خلق وَمن الْعباد فعل لَا تسْأَل عَنْهَا أحدا بعدِي قَالَ أَحْمد بن عِيسَى بعد رِوَايَته انما يعذب الله الْعباد على فعلهم لَا على خلقه