للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

وَثَالِثهَا انا متفقون على أَن مثل هَذَا مَمْنُوع وَأَن هَذَا الْمقَام غير مُبَاح وَلَا مسكوت عَنهُ وَذَلِكَ من جِهَتَيْنِ الْجِهَة الأولى أَن الْبِدْعَة مَمْنُوعَة والجهة الثَّانِيَة أَن الله تَعَالَى لَا يُوصف إِلَّا بِمَا قد تحقق فِيهِ أَنه مدح وثناء دون مَا فِيهِ نقص أَو مَا لَيْسَ فِيهِ نقص وَلَا ثَنَاء

وَرَابِعهَا أَن هَذَا من قبيل اثبات اللُّغَة بِالنّظرِ الْعقلِيّ واللغة لَا تثبت إِلَّا بِالنَّقْلِ الصَّحِيح عَن أئمتها عِنْد الْجُمْهُور فِي الْحَقَائِق الوضعية وَعند طَائِفَة فِي الْحَقَائِق وَالْمجَاز مَعًا وَلم ينقلوا فِي ذَلِك شَيْئا وَهَذِه كتب اللُّغَة مَوْجُودَة وَقد ذكرت فِيمَا تقدم قَرِيبا أَن الْجَوْهَرِي لم يذكر فِي صحاحه لِلْخلقِ معنى إِلَّا التَّقْدِير أَعنِي فِي هَذَا الْمَعْنى الَّذِي نَحن فِيهِ وَإِن كَانَ قد ذكر مَعَاني أخر كالخلق بِمَعْنى الْكَذِب فَافْهَم هَذِه النُّكْتَة

وخامسها أَن أهل اللُّغَة وَلَو أَجَازُوا شَيْئا فِي أسمائنا وأحوالنا فان أَسمَاء الله تَعَالَى توقيفية وَلذَلِك لَا يُسمى عَاقِلا وَلَا فَاضلا وَلَا يجوز نَحْو ذَلِك لَا حَقِيقَة وَلَا مجَازًا بالِاتِّفَاقِ مَعَ أَنَّهُمَا من أجل الاسماء وأحمدها وَأَشْرَفهَا فَكيف يُسمى خَالق القبائح وَالْفَوَاحِش والفضائح من غير إِذن سَمْعِي مِمَّن لَا يُجِيز عَلَيْهِ أَن يُوصف بِوَصْف لَا ذمّ فِيهِ وَلَا مدح وَمَا الملجئ إِلَى هَذَا والداعي اليه وَالله تَعَالَى هُوَ الْملك الْعَزِيز الَّذِي لَيْسَ لعبيده أَن يتصرفوا فِي أنفسهم إِلَّا باذنه فَكيف فِي صِفَاته وأسمائه

وسادسها أَن هَذَا مَمْنُوع بالبرهان فَلَا يجوز التَّجَوُّز فِيهِ كَمَا لَا يجوز أَن يُسمى سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى ظَالِما مجَازًا وَذَلِكَ الْبُرْهَان هُوَ إِخْبَار كتاب الله تَعَالَى الَّذِي لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِل من بَين يَدَيْهِ وَلَا من خَلفه عَن حسن جَمِيع مخلوقات الله وَذَلِكَ قَوْله عز وَجل {ذَلِك عَالم الْغَيْب وَالشَّهَادَة الْعَزِيز الرَّحِيم الَّذِي أحسن كل شَيْء خلقه وَبَدَأَ خلق الْإِنْسَان من طين} وَقَالَ تَعَالَى {فَتَبَارَكَ الله أحسن الْخَالِقِينَ} فَكيف يُضَاف إِلَى الحميد الْمجِيد السبوح القدوس الَّذِي تمدح بِأَنَّهُ أحسن الْخَالِقِينَ وَأَنه أحسن كل شَيْء خلقه بِغَيْر إِذن مِنْهُ أَنه خَالق جَمِيع من فِي الْعَالم من كل كذب

<<  <   >  >>