للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

وَأعظم من ذَلِك نفي رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَن يُطيق أحد على صَوْم يَوْمَيْنِ وَفطر يَوْم وَذَلِكَ وَاضح فِي أَنه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فسر الطَّاقَة هُنَا بِمَا لَا مشقة فِيهِ وَلَا حرج فَدلَّ على أَن الشاق يُسمى غير مطاق فِي عرفهم وَلَا أصح من اثبات اللُّغَة بالسند الصَّحِيح بل الْمُتَّفق على صِحَّته من طَرِيق تلقتها الامة بِالْقبُولِ وَادّعى الاجماع على صِحَّتهَا بَاطِنا وظاهرا عدد كثير من أَئِمَّة الاسلام وَعَادَة اللغويين والمفسرين الِاكْتِفَاء فِي مثل ذَلِك بِرِوَايَة بعض أهل اللُّغَة بِغَيْر سَنَد وَلَا تَوْثِيق

الِاحْتِمَال الثَّانِي أَن يكون من تحميل عقوبات الذُّنُوب فِي الدَّاريْنِ مثل المصائب فِي الدُّنْيَا وَعَذَاب الْقَبْر فِي البرزخ وَعَذَاب النَّار فِي الْآخِرَة وَمن ذَلِك قَوْله تَعَالَى {وَإِن تدع مثقلة إِلَى حملهَا لَا يحمل مِنْهُ شَيْء وَلَو كَانَ ذَا قربى} وَهَذَا صَرِيح فِي هَذَا الْمَعْنى وَالْحَمْد لله رب الْعَالمين وَكَذَلِكَ قَوْله تَعَالَى {ولنحمل خطاياكم وَمَا هم بحاملين من خطاياهم من شَيْء}

وَمِنْه حَدِيث عبد الْملك فِي ابْن الزبير وددت أَنِّي تركته وَمَا يحمل من الاثم فِي هدمها وبنائها ذكره ابْن الْأَثِير فِي نِهَايَة الْغَرِيب فِي مَادَّة ح م ل وَهُوَ معنى صَحِيح فصيح وَقد فسر بِهَذَا الْمَعْنى الْعَلامَة الْمُتَّفق على علمه وجلالته عبد الْملك بن جريج فَقَالَ هُوَ مسخ القردة والخنازير رَوَاهُ الْبَغَوِيّ عَنهُ فِي تَفْسِير هَذِه الْآيَة فَجعله من قبيل مَا لَا يُطَاق من عقوبات الذُّنُوب وَجعله كثير من الْمُفَسّرين من الاول أَعنِي الشاق فَقَالَ مُجَاهِد هُوَ الغلمة وَقَالَ ابراهيم هُوَ الْحبّ وَقيل شماتة الْأَعْدَاء وَقَالَ مُحَمَّد بن عبد الْوَهَّاب الْعِشْق وَقيل هُوَ الْفرْقَة والقطيعة ذكر ذَلِك كُله الْبَغَوِيّ وَلم يذكر قطّ عَن أحد من الْمُفَسّرين أَنه تَكْلِيف الْمحَال وَهُوَ من أهل السّنة فَكيف يرى هَذَا الْمَعْنى المتسع لمثل هَذِه الِاحْتِمَالَات والمعاني الْمُخْتَلفَة يقدم على النَّص الْجَلِيّ الَّذِي أثنى الله تَعَالَى بِهِ على نَفسه وتمدح بِهِ من قَوْله {لَا يُكَلف الله نفسا إِلَّا وسعهَا} وَمَا فِي مَعْنَاهَا وَمَا فِي معنى ذَلِك من أَسمَاء الله الْحسنى وَمَا ذَكرْنَاهُ من الحَدِيث وَلَا سِيمَا ونزول قَوْله تَعَالَى {لَا يُكَلف الله نفسا إِلَّا وسعهَا} كل ذَلِك مَعَ قَوْله تَعَالَى {رَبنَا وَلَا تحملنا مَا لَا طَاقَة لنا بِهِ}

<<  <   >  >>