أَن يُمكنهَا من مفارقه مَا نهاها عَنهُ كَمَا ذكره وَابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنهُ فِي تَكْلِيف الْوَاحِد بِقِتَال عشرَة أَنهم لَو صَبَرُوا عَلَيْهَا لطوقوها رَوَاهُ البُخَارِيّ وَلَو سلمنَا أَن ظَاهر التَّحْرِيم توجه إِلَى مَا لَا يُطَاق لوَجَبَ تَأْوِيله لوضوحه لِأَنَّهُ متشابه على مَا يُوَافق الْمُحكم الَّذِي هُوَ أم الْكتاب كَمَا ثَبت فِي تَحْرِيم النِّيَاحَة أَنه لَا يُؤَاخذ بِمَا كَانَ من الْعين وَالْقلب فَثَبت أَن سلمنَا أَنه للتَّحْرِيم أَن المُرَاد النَّهْي عَن الاسترسال مَعَ الطبيعة البشرية ومقابلتها ومدافعتها بِمَا علمنَا الله تَعَالَى من نَحْو قَوْله {وَعَسَى أَن تكْرهُوا شَيْئا وَهُوَ خير لكم} وتذكير عَظِيم ثَوَابه وخفي ألطافه وَصدق مواعيده وَأَنه كاشف الكروب علام الغيوب وَمَا يحصل بِهِ الرِّضَا لدوّنَ أم مُوسَى
وَقد ذكر بعض الْمُفَسّرين نَحْو هَذَا الْوَجْه الثَّالِث فِي تَفْسِير {خلق الْإِنْسَان من عجل سأريكم آياتي فَلَا تَسْتَعْجِلُون} فَقَالَ أَنهم أقدروا ومكنوا من مدافعه الطبيعة المخلوقة فَلذَلِك نهوا عَن الاستعجال وَقد خلقُوا على هَذِه الطبيعة كَمَا أَن الْمَخْلُوق على طبع الشُّح مَأْمُور باخراج الزَّكَاة مُمكن من ذَلِك فانه يتَصَرَّف فِي شهواته أضعافها
وَإِنَّمَا ذكرت مثل هَذِه الْأَشْيَاء على جِهَة التَّقَرُّب إِلَى الله وَإِلَّا فجوابها لَا يخفى على أهل الممارسة للْجمع بَين المتعارضات ورد الْفُرُوع الى الْأُصُول والمظنون إِلَى الْمَعْلُوم