) وَمِثَال الْقَبِيح بِالضَّرُورَةِ الَّذِي لَا يجوز على الله بعثة الْكَذَّابين لما فِيهِ من الْفساد المتفاحش وَهُوَ عدم الثِّقَة بِكَلَام الله تَعَالَى وَكَلَام جَمِيع رسله عَلَيْهِم السَّلَام لَا فِي دين وَلَا فِي دنيا وَلَا فِي حد وَلَا فِي مُهِمّ وَلَا ترغيب وَلَا ترهيب وَهَذَا هدم للْمصَالح كلهَا وَالصَّلَاح أجمع وَلذَلِك كَانَ الله أصدق الْقَائِلين وَكَانَ من أبْغض الْخلق اليه الْملك الْكذَّاب لِأَن الَّذِي قد يهون قبح الْكَذِب فِي بعض الْمَوَاضِع ويعارض مَا فِيهِ من الْفساد هُوَ الضَّرُورَة الملجئة اليه كخوف المضار وَنَحْو ذَلِك والملوك أبعد النَّاس مِنْهَا لقدرتهم على دفع المضار وَإِن كَانَت قدرتهم قَاصِرَة فَكيف بِملك الْمُلُوك الَّذِي هُوَ على كل شَيْء قدير وَعَن كل شَيْء غَنِي وَإِنَّمَا يجوز عَلَيْهِ مَا تخفى فِيهِ الْحِكْمَة على الْخلق لقُصُور علومهم من الامور المحتملة مثل مَا سَأَلت عَنهُ الْمَلَائِكَة عَلَيْهِم السَّلَام من الْحِكْمَة فِي خلق آدم وَذريته لظنهم أَنهم كلهم أشرار لَا خير فِي أحد مِنْهُم وَالشَّر الْمَحْض الَّذِي لَا خير فِيهِ أَلْبَتَّة لَا عَاجلا وَلَا آجلا قَبِيح فِي الْعُقُول وَأما الشَّرّ الْمُشْتَمل على الْخَيْر والغايات الحميدة أَو المجوز فِيهِ شَيْء من ذَلِك فَلَا مجَال للعقول فِي الْقطع بقبحه وَلذَلِك أجَاب عَلَيْهِم بقوله تَعَالَى {إِنِّي أعلم مَا لَا تعلمُونَ} وَلم يقل إِنَّه يحسن مني كل مَا تستقبحون وكل مَا تستقبحه العارفون وَلَو كَانَت أَفعَال الله معطلة من الحكم لم يكن لذكر علمه وزيادته على علمهمْ معنى فِي هَذَا الْموضع لِأَن الْحِكْمَة على قَول الْخصم ممتنعة الامكان فِي حق الله تَعَالَى فَلم يتَعَلَّق بهَا علمه كَمَا لَا يتَعَلَّق بِرَبّ ثَان مشارك لَهُ فِي الربوبية وَمن ثمَّ أظهر الله تَعَالَى بعد ذَلِك فضل آدم بِعلم الاسماء وَلَو كَانَ كَمَا زَعَمُوا من تَعْطِيل أَفعاله من الحكم لفضله بِغَيْر سَبَب فَدلَّ على أَنه أَرَادَ بِبَيَان شَيْء من الْخَيْر الَّذِي أحَاط بِهِ علمه فِي خلق آدم عَلَيْهِ السَّلَام وَذريته وَلم يحيطوا بِشَيْء من الْخَيْر فِي ذَلِك فَبين لَهُم أَن فِيهِ خيرا كثيرا وَبَان بذلك أَن الشَّرّ الْمَحْض لَا يكون من أَفعاله تَعَالَى بِخِلَاف الشَّرّ الْمُشْتَمل على الْخَيْر فَيكون فِيهَا وَيكون ذَلِك الْخَيْر هُوَ الْمَقْصُود وَهُوَ الْمُسَمّى تَأْوِيل المتشابة فِي لِسَان الشَّرْع وغرض الْغَرَض فِي لِسَان الْحُكَمَاء وَلذَلِك قَالَ تَعَالَى لَهُم بعد ذَلِك إِنَّه يعلم غيب السَّمَوَات وَالْأَرْض وَيعلم مَا لَا يعلمُونَ وَهَذَا يدل على مَا قيل أَن الْعَالم كُله كالشجرة وَأهل الْخَيْر من الْخلق هم ثَمَرَة تِلْكَ الشَّجَرَة وَيدل عَلَيْهِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute