للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وَقد ذكرت فِي العواصم فِي مَسْأَلَة الْوَعيد أَحَادِيث كَثِيرَة رائعة فِي تَعْظِيم الْقَتْل وَذكرهَا هُنَا يخرجنا على معنى الِاخْتِصَار وَمِنْهَا وَهُوَ أقوى من هَذِه الْأَشْيَاء انه تَوَاتر عَن الصَّحَابَة انهم كَانُوا يَعْتَقِدُونَ فِي الْبَاغِي على أَخِيه الْمُسلم وعَلى امامه الْعَادِل انه عَاص آثم وَأَن التَّأْوِيل فِي ذَلِك مفارق للِاجْتِهَاد فِي الْفُرُوع فانهم لم يتعادوا على شَيْء من مسَائِل الْفُرُوع وتعادوا على الْبَغي وَكَذَلِكَ أَجمعت الْأمة على الِاحْتِجَاج بسيرة عَليّ عَلَيْهِ السَّلَام فِي قِتَالهمْ وَلَيْسَ الْمُجْتَهد المعفو عَنهُ يُقَاتل على اجْتِهَاده وَيقتل ويهدر دَمه

وَأما الاحاديث الَّتِي تقدّمت فِي مُعَارضَة هَذِه فَلَا تبلغ مرتبتها فِي الصِّحَّة والشهرة وَلَو بلغت لم تعارضها فانها دَالَّة على اثم أهل الْفِتَن وانما فِيهَا انه خفف على هَذِه الْأمة عَذَابهَا فِي ذَلِك الذَّنب وَجعل عَذَابهَا بِالسَّيْفِ فِي دنياها وَهَذَا أولى أَن يكون حجَّة على تَحْرِيم ذَلِك وَعدم قبُول الِاجْتِهَاد فِيهِ فانه لَو قبل مِنْهُ لم يستحقوا عَلَيْهِ عذَابا لَا فِي الدُّنْيَا وَلَا فِي الْآخِرَة بالاجماع بل يسْتَحقُّونَ عَلَيْهِ المثوبة وَالثنَاء من الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى

وَأما الرَّجَاء والشفاعة للْمُسلمين فقد تقدم مَا فِيهِ من الْقُرْآن والتواتر الا فِي قَاتل الْمُؤمن مُتَعَمدا وَمِنْهَا ان النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم سمي فَسَاد ذَات الْبَين الحالقة تحلق الدّين لَا تحلق الشّعْر وَلَو كَانَ الِاجْتِهَاد فِيهَا سائغا لم يَصح ذَلِك وَمِنْهَا أَن الْفَرِيقَيْنِ اجْتَمعُوا على تهليك الْخَوَارِج والنصوص دلّت على ذَلِك

فان قيل انما هَلَكُوا بِمُجَرَّد اعْتِقَادهم التَّكْفِير

قيل لَا سَبِيل الى الْقطع بذلك بل قد ورد مَا يدل على ان الْقَتْل أعظم من التَّكْفِير وَذَلِكَ حَدِيث ثَابت بن الضَّحَّاك مَرْفُوعا وَفِيه وَمن قذف مُؤمنا بِكفْر فَهُوَ قَاتله وَتقدم القَوْل فِي صِحَّته وشواهده كَثِيرَة قَالُوا وَأما أَحَادِيث النَّهْي عَن دفاع المتأولين فَلَيْسَ الْعلَّة فِيهَا قبُول اجتهادهم أَلا ترَاهُ يَقُول فِيهَا كن كخير ابْني آدم يبوء باثمة واثمك فَيكون من أَصْحَاب النَّار رَوَاهُ مُسلم من حَدِيث أبي بكرَة وَلم يكن ابْن آدم الْقَاتِل لِأَخِيهِ معفوا عَنهُ وَالله تَعَالَى يَقُول عَن أَخِيه {إِنِّي أُرِيد أَن تبوء بإثمي وإثمك}

<<  <   >  >>