للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

النُّبُوَّة لنَفسِهِ وَدَعوى الرسَالَة وَالَّذِي يدل على ذَلِك أَنه لَو اتّفق لَهُ خوض فِي هَذِه المطالب لقَالَ الْكفَّار أَنه أفنى عمره فِي ذَلِك وَفِي جمع الْقُرْآن حَتَّى قدر على ذَلِك بعد طول التَّأَمُّل والتدبر وَجَاء بِهِ وَلما لم يذكر هَذَا عَن أحد من الاعداء مَعَ شدَّة حرصهم على الطعْن فِيهِ وَفِي نبوته علمنَا ذَلِك وَمَعْلُوم أَن من انْقَضى من عمره أَرْبَعُونَ سنة وَلم يخض فِي شَيْء من هَذِه المطالب ثمَّ أَنه خَاضَ فِيهَا دفْعَة وَاحِد وأتى بِكَلَام عجز الْأَولونَ وَالْآخرُونَ عَن معارضته فصريح الْعقل يشْهد بِأَن هَذَا لَا يكون إِلَّا على سَبِيل الْوَحْي من الله تَعَالَى

النَّوْع الثَّالِث أَنه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم تحمل فِي أَدَاء الرسَالَة أَنْوَاع المتاعب والمشاق فَلم يُغَيِّرهُ ذَلِك عَن الْمنْهَج الأول وَلم يطْمع فِي مَال أحد وَلَا فِي جاهه بل صَبر على تِلْكَ المشاق والمتاعب وَلم يظْهر فِي عزمه فتور وَلَا فِي اصطباره قُصُور ثمَّ أَنه لما قهر الْأَعْدَاء وقويت شوكته ونفذت أوامره فِي الْأَمْوَال والارواح لم يتَغَيَّر عَن منهجه الأول فِي الزّهْد فِي الدُّنْيَا والاقبال على الْآخِرَة وكل من أنصف علم أَن المزور وحاشاه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من ذكر ذَلِك لَا يكون كَذَلِك فان المزور إِنَّمَا يروج الْكَذِب وَالْبَاطِل على الْحق لكَي يتَمَكَّن من الدُّنْيَا فاذا وجدهَا لم يملك نَفسه عَن الِانْتِفَاع بهَا لكيلا يكون ساعيا فِي تَضْييع مَطْلُوبه بل تَضْييع مَطْلُوبه بل تَضْييع دُنْيَاهُ وآخرته وَذَلِكَ مَا لَا يَفْعَله أحد من الْعُقَلَاء

النَّوْع الرَّابِع من معجزاته الْعَقْلِيَّة أَنه كَانَ مستجاب الدعْوَة وَذَلِكَ مَعْلُوم بالتواتر الضَّرُورِيّ لمن عرف سيرته وأخباره وأحواله بل لمن طالع كتب آيَاته واعلامه وَذَلِكَ ثَابت فِي الْكتب السِّت بِالْأَسَانِيدِ الْمَعْرُوفَة من حَدِيث جَابر بن عبد الله وَأبي هُرَيْرَة والسائب بن يزِيد وَأبي زيد ابْن أَخطب وَيزِيد ابْن أبي عبيد وَابْن مَسْعُود وَأنس والبراء بن عَازِب وَغَيرهم من الصَّحَابَة رَضِي الله عَنْهُم

النَّوْع الْخَامِس وُرُود الْبشَارَة بِهِ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي التَّوْرَاة والانجيل وَالدَّلِيل على ذَلِك أَنه ادّعى ذَلِك كَمَا ذكره الله تَعَالَى فِي كِتَابه الْكَرِيم وَمَعْلُوم أَنه لَو لم يكن صَادِقا فِي ذَلِك لَكَانَ هَذَا من أعظم المنفرات لأهل الْكتاب عَنهُ وَلَا يَصح من الْعَاقِل أَن يقدم على فعل مَا يمنعهُ من مَطْلُوبه ويحول بَينه وَبَين

<<  <   >  >>