[مقدمة]
[بسم الله الرحمن الرحيم]
[وهو حسبي]
أما بعد حمد الله عز اسمه على آلائه، والصلاة على رسوله المصطفى وآله، قد ألفت هذا الكتاب للشيخ العميد أبي سهل الحمدوني. وإن كان هو شخص الكمال وفرد الزمان وغرة الشرق وأمين النطق، فلا بد لأهل الأدب وأصحاب الكتب، وإن كانوا مخفضي الدرجات، من التقرب ببضاعتهم المزجاة، إلى خزانة كتبه، عمرها الله بدوام عمره، ولا سيما إذا كانوا من عبيده وخدمه ومتحلي نعمه. فلولا أني منهم لما تجاسرت على حمل كوز ماء أجاج، إلى بحر فرات عجاج، لكن قدم عبوديتي بحضرته حرسها الله وآنسها تنشطني لخدمته بمؤلفاتي، وإن كانت هيبته تقتضي عن أكثر مرادي، وقد قضيت عن كتاب البراعة، في التكلم من الصناعة، بهذا الكتاب الخفيف الحجم، الثقيل الوزن، الصغير الغنم، في لطائف الظرفاء من طبقات الفضلاء قولاً وفعلاً، وجداً وهزلاً، وأودعته ظرف الظرف وروح الروح وعقود الدر وعقد النحر نثراً ونظماً. فالألفاظ بين البلاغة والإيجاز، وخفة الأرواح مع الإعجاز، والمعاني بين الكرم والظرف والمروة والفتوة، مع المداعبة والمطايبة، والنوادر غير الفاترة. وأخرجت فيه ثلاثة أدعية ذكرتها ثلاثة من أفراد البلغاء أنها أوجز الأدعية وأحسنها وأجمعها، منهم الجاحظ إذ قال أوجزها وأبدعها: أدام الله لك السرور. ومنهم الصاحب إذ قال: بل قولهم: عش ما شئت كيف شئت. وكان أبو إسحاق الصابي يقول: مارست الكتابة ستين سنة، فلم يحضرني في الدعاء أحسن وأوجز وأجمع من قولي: جعل الله أيامك مطاياك إلى آمالك. وهذا ثبت أبواب الكتاب: الباب الأول: في لطائف الصحابة والتابعين رضي الله عنهم أجمعين.
الباب الثاني: في لطائف الملوك المتقدمين.
الباب الثالث: في لطائف ملوك الإسلام.
الباب الرابع: في لطائف الوزراء والأمراء.
الباب الخامس: في لطائف البلغاء والأدباء.
الباب السادس: في لطائف الفقهاء والقضاة والعلماء.
الباب السابع: في لطائف الفلاسفة والأطباء.
الباب الثامن: في لطائف الجواري والنساء الحسان.
الباب التاسع: في لطائف المغنين والمطربين.
الباب العاشر: في لطائف الظرفاء من كل طبقة وفن.
الباب الحادي عشر: في لطائف الشعراء نثراً.
الباب الثاني عشر: في لطائف الشعراء نظماً.
وأرجو أنها تهز عطفه، وتقر عينه، وتشرح صدره، وتجري مجرى التذكرة لي بحضرته، والنائب عني في خدمة مجلسه، قرب الله السعود بعونه ومشيئته.
[الباب الأول]
[لطائف الصحابة والتابعين]
رأى أبو بكر رضي الله عنه رجلاً بيده ثوب فقال: هو للبيع؟ فقال: لا أصلحك الله!. فقال رضي الله عنه: هلا قلت: لا وأصلحك، لئلا يشتبه الدعاء لي بالدعاء علي؟ وكان عمر بن الخطاب رضي الله عنه يقول: لو كنت تاجراً لما اخترت عن العطر شيئاً، إن فاتني ربحه لم يفتني ريحه.
وكان عثمان رضي الله عنه يقول: ما مسست فرجي بيميني مذ بايعت النبي صلى الله عليه وسلم.
قال المؤلف رحمه الله تعالى: ومما يقرب من هذا المعنى من إجلال السادة والكبراء ما سمعت نصر الشرابي يقول: ما أكلت بيدي دسماً قط طول الأيام التي كنت فيها صاحب شراب الأمير الحميد نوح بن نصر، وإنما كنت أتناوله بالملاعق.
ويروى عن الإمام علي كرم الله وجهه أنه نظر إلى رجل يجر ذيله على الأرض لطول ثيابه فقال: يا هذا قصر من هذا فإنه أبقى وأنقى وأتقى!.
وقالت امرأة له: يا أمير المؤمنين، إني زوجت بنية لي وهي أربعة أشبار وزوجها يطالبني بزفافها إليه. فقال: زفيها إليه فأربعة أشبار تستقبل بشبر واحد!.
وكان الحسن بن علي رضي الله عنهما يقول: إذا خلوتم بالنساء فداعبوهن ولاعبوهن، ولا تكونوا كالفحل يأتي البهيمة بغتة.
وكان عمر بن الخطاب رضي الله عنه يقول لجلسائه: أحمضوا رحمكم الله، أي خذوا في المفاكهات. والإحماض مشتق من الحمض وهو فاكهة الإبل.
وكان ابن مسعود رضي الله عنه يقول: الدنيا غموم فمن كان فيها في سرور فهو..
وكان ابن عباس رضي الله عنهما يقول: الرخصة من الله صدقة فلا تردوا صدقته.
وكان كثيراً ما يقول: يروى عن النبي صلى الله عليه وسلم: الهدايا مشتركة. وأهدي إليه من مصر ثياب فأمر بتسليمها إلى خازنه، فقال له جلساؤه: ألم ترو لنا أن الهدية مشتركة؟ فقال: تلك ما يؤكل ويشرب، وأما في ثياب مصر فلا!.