وقال: يا أمير المؤمنين، إنا يشتد السوق على العبد لأنه يتعذر عليه لقاء مولاه، وأما السيد فمتى أراد عبده دعاه.
أبو العباس المبرد كان يقول: ما تنادر علي أحد قط كما تنادر سذاب الوراق، فإني اجتزت به يوماً وهو قاعد على باب داره، فقام إلي ولاطفني وعرض علي القرى فقلت: ما عندك؟ فقال: ما عندي أنت وعليه أنا، يعني اللحم المبرد بالسذاب.
أبو العباس ثعلب كان يقول: وددت الليل نهاراً كله لئلا ينقطع عني أصحابي.
أبو الحسن المنجم في الذم: هو الخس بالعربية والهندباء بالفارسية.
وله في ثقيل هجم عليه وكدر ما صفا من عيشه فقال: لا مرحبا بقذى العين وسيئ الخلق وغصة الصدر وعظم اللقمة ومخطة الثوب وعثرة الفرس وذبابة القدح.
وقوله: والشرب على غير الدسم سم، وعلى غير النغم غم.
أبو بكر الخوارزمي لم أسمع فصلاً أطرف من قوله: قد أراحني الشيخ من بره، لكن أتعبني بسكره، وخفف ظهري من ثقل المحن، لا بل ثقله بأعباء المنن، وأحياني بتحقيق الرجاء، لا بل أماتني بفرط الحياء، فأنا له رقيق بل عتيق، وأسير بل طليق ومن الغرر الظريفة قوله: الكريم من أكرم الأحرار، والكبير من صغر الدينار.
وقوله: من لم يذكر أخاه إلا إذا رآه فوجدانه كفقدانه، ووصله كهجرانه.
ووصف رجلاً بالنسوان والغلمان فقال: قلم برأسين، وسكين بحدين، ومسجد بقبلتين، وقبض في ديوانين، وصيد لطائرين.
ووصف شريفاً في أصله وضيعاً في نفسه فقال: استخرج المساوئ من المحاسن، وهو من الأسد بخره، ومن الدينار صفره، ومن اللجين خبثه، ومن الماء زبده، ومن الطاووس رجله، ومن الورد شوكه، ومن النار دخانها، ومن الخمر خمارها، ومن الدار ميضأتها.
وكان يقول في التفضيل: فلان بيت القصيدة، وأول الجريدة، وغرة الكتيبة، وواسطة القلادة، ودرة التاج، وإنسان الحدقة، ونقش الفص.
أبو الفضل البديع الهمذاني: أراني أذكر الشيخ كلما طلعت الشمس، وبرق البرق، وعرض الغيث، وذكر الليث، وضحك الروض، إذ الشمس محياه، والريح رياه، والنجم علاه، والبرق سناه، والغيث نداه، والليث حماه، والروض سجاياه، وفي كل شيء صالحة ذكراه، وعلى كل حالة أراه، فمتى أنساه واشدة شوقاه، عسى الله يجمعني وإياه.
وكتب إلى مستمنح عاوده مراراً: مثل الإنسان في الإحسان كمثل الأشجار في الثمار، فيجب إذا أتى بالحسنة أن يرفه سنة.
وله في جواب رقعة: الجود بالذهب ليس مثل الجود بالأدب، وهذا الخلق النفيس لا يساعده الكيس، وهذا الطبع الكريم لا يأخذه الغريم، والأدب لا يمكن ثرده في قصعة، ولا صرفه في ثمن سلعة. ولقد جهدت بالطباخ أن يطبخ من زائية الشماخ لوناً فلم يفعل، وبالقصاب أن يسمع أدب الكاتب فلم يقبل. واحتيج في البيت إلى شيء من الزيت فأنشدت من شعر الكميت مئتي بيت فلم يغن كما لا يغني لو وليت. ولو وقعت أرجوزة العجاج في توابل السكباج لما عدمت عندي ولكن ليست تقع فيما أصنع؟ وكتب إلى صديق له: قد حضرت دارك وقبلت جدارك، وما في حب الحيطان، ولكن شغف القطان.
القاضي أبو محمد منصور ابن الأزدي كتب في قصة: أيد الله الشيخ، وقدر لقاه فرج، ولكن " ليس على الأعمى حرج " لا سيما والمجلس وطيء، والمركب بطيء، ووهج الصيف يثير الرهج.
أبو القاسم الزعفراني قال لعائده: فصدت فصدت العلة.
أبو عبد الله الثغري من أظرف قوله: وصل كتابك بألفاظ يكيف عندها الحصواء، وتقف عليها الأهواء، ووضعته على عيني فكان لها برودا، ونشرته فكأني أنشر برودا.
أبو الفرج الببغاء دعا على القرامطة والباطنية فقال: سلط الله عليهم طوفان نوح، وريح عاد، وحجارة لوط، وصاعقة ثمود.
؟ الباب السادس
[لطائف القضاة والعلماء]
أبو يوسف القاضي رحمه الله تعالى، تحاكم إليه الرشيد وزبيدة في الفالوذج واللوزينج أيهما أطيب، فقال أبو يوسف: أنا لا أحكم على غائب. فأمر باتخاذهما وتقديمهما إليه، فجعل يأكل من هذا مرة ومن ذلك أخرى حتى نظف الجانبين ثم قال: يا أمير المؤمنين، ما رأيت أجدل منهما، إن أردت أن أسجل لأحدهما أدلى الآخر بحجة.
وسأل الرشيد الأوزاعي عن اسم امرأة إبليس فقال: تلك وليمة لم أحضرها.
يحيى بن أكثم كان يقول: قد أكرم الله أهل الجنة بأن أطاف عليهم الولدان في وقت رضاه عنهم لفضلهم على الحور، فما الذي يمنعنا عاجلاً من ترك هذه الكرامة وتحصيل هذه الزلفى؟