للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ثمَّ إِعْلَام الْمَنْفَعَة بطرق ثَلَاثَة إِمَّا بَيَان الْمدَّة كاستئجار الدَّار للسُّكْنَى وَالْأَرْض للزِّرَاعَة فَيصح العقد على مُدَّة مَعْلُومَة أَي مُدَّة كَانَت طَوِيلَة أَو قَصِيرَة لِأَن الْمَنَافِع تحدث شَيْئا فَشَيْئًا فبمقدارها يصير مَعْلُوما بِبَيَان الْمدَّة إِذا كَانَت الْمَنْفَعَة لَا تَتَفَاوَت إِلَّا فِي الْأَوْقَات فَإِن الْمدَّة لَا تزيد على ثَلَاث سِنِين فِي الصَّحِيح كَمَا تقدم فِي فصل الْوَقْف

وَأما الإقطاع فَهَل قَالَ أحد من الْعلمَاء بِجَوَاز إِجَارَته أم لَا قلت وَقد وقفت على عدَّة مصنفات فِي ذَلِك لبَعض عُلَمَائِنَا الْمُتَأَخِّرين رضوَان الله تَعَالَى عَلَيْهِم أَجْمَعِينَ مِنْهُم شيخ الاسلام برهَان الدّين ابراهيم بن عبد الْحق وَسَيِّدنَا الشَّيْخ الامام الْعَلامَة شمس الدّين القونوي وَشَيخنَا شيخ الاسلام وَالْمُسْلِمين سعد الدّين الديري وَالشَّيْخ الْعَلامَة الْحَافِظ زين الدّين قَاسم بن قطلو بغا الجمالي متع الله بحياته فاستفدنا مِنْهَا فَوَائِد جمة مِنْهَا القَوْل بِجَوَاز إِجَارَة الاقطاع وَقد أطنبوا الْكَلَام فِي ذَلِك وسلكوا فِيهِ أحسن المسالك وَقد سُئِلَ شَيخنَا شيخ الاسلام سعد الدّين الديري الْمشَار إِلَيْهِ فِيمَن آجر إقطاعه سِنِين ثمَّ أخرج الامام الْأَعْظَم الإقطاع عَنهُ لغيره قبل مُضِيّ الْمدَّة فَقَالَ نعم يجوز للجندي أَن يُؤجر إقطاعه حَيْثُ كَانَ يتَضَمَّن إقطاعه لَهُ ملك الْمَنْفَعَة وَالتَّصَرُّف فِيهِ فِي الْعرف الْعَام بِمَا يرَاهُ وَلَيْسَ هَذَا نَظِير الْمُسْتَعِير وَتَكون الاجارة من المقطع صَحِيحَة لَازِمَة حَيْثُ كَانَت مُشْتَمِلَة على شُرُوطهَا شرعا وَلَا تَنْفَسِخ بِالْمَوْتِ وَلَا بإقطاعه غَيره فَإِن الامام جعله كَالْوَكِيلِ عَنهُ فِي ذَلِك وَتبقى بِالْمُسَمّى الَّذِي وجد فِيهِ شَرط اللُّزُوم وَيشْهد لذَلِك قَوَاعِد عُلَمَائِنَا رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُم وَالْحَالة هَذِه وَالله أعلم

وَصُورَة السُّؤَال الَّذِي سُئِلَ عَنهُ شيخ الاسلام برهَان الدّين بن عبد الْحق سَأَلَهُ قوم عَن إِجَارَة الجندي مَا أقطعه الامام لَهُ من الْمزَارِع والقرى والعقارات هَل يَصح إيجاره ذَلِك وَيكون عقد الاجارة فِيهِ صَحِيحا لَازِما إِذا سمى فِيهِ مَا يتَوَقَّف فِيهِ صِحَة الاجارة على التَّسْمِيَة أَو غير صَحِيح وَلَا لَازم وَكَذَلِكَ عقد الْمُسَاقَاة الصَّادِر فِيهِ وطلبوا بَيَان الحكم فِي ذَلِك على قَول أبي حنيفَة رَحمَه الله تَعَالَى وَهل الحكم فِي هَذِه الْمَسْأَلَة مَنْصُوص عَلَيْهِ عِنْدهم أَو لَا وَذكروا أَن الضَّرُورَة دَاعِيَة إِلَى معرفَة الْجَواب فِي ذَلِك تنصيصا أَو قِيَاسا على نظيرها من أصُول الْمسَائِل فَقَالَ أما تنصيص الاصحاب على الحكم فِي ذَلِك فَلم أَقف عَلَيْهِ بعد مَا تطلبته مُدَّة وَلم أعلم لَهُ فِي عينهَا نِصَابا بِالْجَوَازِ وَلَا بضده وَلَكِن قِيَاس قَوْلهم فِي نظيرها يَقْتَضِي القَوْل بجوازها ولزومها

أما النظير الأول فقد نَص أَصْحَابنَا على أَن من صولح على خدمَة عبد سنة كَانَ للْمصَالح أَن يؤاجره وَمَعْلُوم أَن الْمُصَالحَة إِنَّمَا ملك الْمَنْفَعَة دون الرَّقَبَة فِي مُقَابلَة مَا صولح عَلَيْهِ من حَقه الَّذِي يَدعِيهِ وَإِن كَانَ الْمصَالح يُنكر ذَلِك وَيَزْعُم أَنه لَاحق لَهُ فالمنفعة الْمَمْلُوكَة بِالصُّلْحِ ملكت بِمُقَابلَة عوض فِي زعم الْمُدَّعِي وَبِغير مُقَابلَة عوض فِي زعم الْمُدَّعِي عَلَيْهِ فَكَانَ فِيهِ شَائِبَة العوضية فَصَارَت الْمَنْفَعَة الْمصَالح عَلَيْهَا مَالا نظرا إِلَى زعم أَحدهمَا وَهُوَ الْمُدَّعِي وَغير مَال نظرا إِلَى زعم الْمُدَّعِي عَلَيْهِ بِعقد الاجارة فَوَجَبَ جَوَاز مثله فِي الاقطاع وَذَلِكَ لِأَن مَنَافِع الاقطاع ملكهَا الْجند لاحتباسهم أنفسهم واستعدادهم لما يعرض للْمُسلمين من الْمصَالح يندبهم الامام للْقِيَام بهَا من قتال أَعدَاء الاسلام وردع المفسدين وقمع الخارجين وصون الْأَمْوَال والأنفس عَن التَّعَرُّض إِلَيْهَا بِغَيْر حق فرقبة الاقطاع بَاقِيَة على ملك بَيت المَال ومنافعه مَمْلُوكه لَهُم عوضا عَمَّا حبسوا أنفسهم لَهُ فملكوا تمليكها بِعقد الاجارة بل أولى فَإِن المجوز لتمليك الْمَنَافِع الْمَمْلُوكَة بِعقد الاجارة من حَيْثُ هِيَ كَونهَا ملكت بعوض وَملك الْمَنْفَعَة فِي مَسْأَلَة الصُّلْح بعوض إِنَّمَا هُوَ فِي زعم المتملك لَا فِي زعم

<<  <   >  >>