أولها: أن لا يمنع الشيء عن موضعه لأن سخاوته لا تدعه أن يمنعه، والثاني: إذا وصل إليه شيء فلا يكون شغله إلا أن يصيب موضعاً حتى يضعه فيه، ويفرغ قلبه لعبادة الله ولسانه ويده، والثالث: حب المؤاخاة بينه وبين الأتقياء حتى يأكلوا من شيئه لأنه أهل السخاوة. ولا يصيب السخي السخاوة إلا بخصلتين: أحدهما: قصد الأمل، والثاني: بالتهيؤ للموت.
فنعم الباب السخاوة لمن وفقه الله للسخاوة لأنه إنما يسخو لنفسه من مال غيره، ويبقي لنفسه ثواباً كثيراً دائماً باقياً لعمر فإن من عمر فان، ومال ذاهب، فأي شيء أهون من ترك شيء لا شيء يغنيه للشيء لأنه يصير لا شيء إذا فني، ويبقى الشيء أبداً من غير تركة ذلك مرّة شيئاً بل نفعه الله بفراغه بما يغنيه بالعز والسر لما قبل موته.
[تفسير الصواب وضده الخطأ]
[تفسير الصواب]
والصواب من المصيب يكون بثلاثة أشياء: أحدها: أن يكون علمه بالحجة، حتى يكون قوله بالصواب، والثاني: يخرج العيوب من نفسه حتى تكون أعضاؤه بالصواب، والثالث: يخرج الآفة من قلبه حتى يكون قلبه بالصواب.
فشكل الصواب الحق، وضده الخطأ، والخطأ والباطل شكل، وللمصيب ثلاثة علامات: أولها: أن لا يحب المداهنة لأن المداهن لا يقدر على الصواب، والثاني: لا يحب الخصومة والجدال لأن فيه نقصان الرجل وعداوته، والثالث: يحب العاقبة لأن فيها سلامة لأمر دينه.
وثلاثة أشياء من فعال المصيب: أولها: أن لا يكتم الشهادة لمن أحسن إليه، أو أساء إليه، أو مدحه، أو ذمه، لأن قيامه على الصواب يكثر، والثاني: أن يكون موفياً بالعهود، والثالث: أن يكون مؤدياً للأمانة لأنه قد أصاب طريق الصواب.
ولا يصيب الرجل الصواب حتى يخرج من قلبه الآفة، ومن نفسه العيوب كلها، فنعم الباب القيام بالصواب، فطوبى لمن وفقه الله للصواب، والقيام به، لأن له به العزّ والسرور وراحة البدن والأمن له من عقوبات الله وملامته، وعقوبات الناس وملامتهم له بذلك، لأن المصيب أمين، مسرور، مكرم، مدّاح، عزيز، والمخطئ: خائف، مهان، متعب، ذليل.
[تفسير النصيحة وضدها الحسد]
[تفسير النصيحة]
والنصيحة من الناصح تكون بثلاثة أشياء: أحدهما: بالقدر والحرمة: التي في قلبه للمؤمنين، والثاني: أن يرى نجاة نفسه بالنصيحة لهم، والثالث: بأن النصر والدولة تكون مع النصيحة في عاقبتها.
وشكل النصيحة الشفقة، وضدها الحسد، وللناصح ثلاث علامات: أولها: ألا يختار الشيء على المسلمين، ومن يختار الشيء على المسلمين فكيف يقدر على أن ينصح لهم، والثانية: لا يمنع العلم منهم، والثالث: يجب أن يعاون المسلمين حتى ينصح لهم.
وثلاثة أشياء من أفعال الناصح: أولها: أن يكون أكثر كلامه في آفة عيوب الناس، حتى يرجعوا منها ويعينهم على الصواب، والثاني: يعظم قدرهم حتى يرغبهم في الآخرة، والثالث: لا يرغب فيما في أيديهم فإن رغب فيما في أيديهم فقد ترك نصيحتهم، ولا يصيب الناصح النصيحة حتى يرى نجاة نفسه من المسلمين بما أعطاهم الله من الكرامة؛ فطوبى لمن وفقه الله بالنصيحة، فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: " ألا أن الدين النصيحة " وقال جرير بن عبد الله " بايعت النبي صلى الله عليه وسلم بالنصيحة لكل مسلم لنه ناصح نفسه في كل ذلك، لأن له بذلك أجراً ومثل أجور من بلغ نصيحة إلى الأبد مع ماله من العز والراحة والمحبة وحسن الثناء والدعاء له بذلك، لأنّ الناصح عزيز في الدنيا والآخرة، وشرفها وسرورها، وللخائن ذل في الدنيا والآخرة وهوانها.
[تفسير الحسبة وضدها الاستغناء عن البر]
[تفسير الحسبة]
والحسبة تكون من المحتسب بثلاثة أشياء: أحدهما: بتذكرة حاجته إلى ذلك المعروف والبرّ، والثاني: بتذكرة حاجته إلى ثواب ذلك البرّ والمعروف، والثالث بتذكرة حاجته إلى رضا الرّب بذلك البرّ والمعروف.
وشكل الحسبة النية، وضدها الاستغناء عن ذلك البر، وللمحتسب ثلاث علامات: أولها: النفعة للخلق، والثاني: يخوفهم من شرور الدنيا وعذاب الآخرة، والثالث: يجب ريادتهم في العلم والعبادة والورع، وثلاثة أشياء من فعال المحتسب: أولها: أن يزور كل من يحبه في الله حتى يرى ما حاله وأمره، والثاني: يقيم نفسه بحوائج المسلمين في أمر دينهم، والثالث: لا يمنّ على أحد بما ينفعهم.