للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

وذكره أيضًا أبو الحسن علي بن خلف بن عبد الملك بن بطَّال: أنَّه قصد في تأليفه وجه الله تعالى. (١)

(٩/ ظ) وفائدة هذا المعنى أن يكون تنبيهًا لكلِّ مَنْ قرأ كتابه أن يقصد به وجه الله تعالى كما قصده البخاريُّ في تأليفه، وجعل هذا الحديث في أول كتابه عِوَضًا عن الخطبة التي يبدأ بها المؤلفون، ونعم العِوَض، وبه خطب النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم حين وصل إلى دار الهجرة.

وقال أبو عبد الله ابن الفخار: إنما ذكر هذا الحديث في هذا الباب؛ لأنه متعلقٌ بالآية التي في الترجمة، والمعنى الجامع بينهما: أن الله تعالى أوحى إلى محمد، وإلى الأنبياء: أن الأعمال بالنيات بدليل قوله تعالى: (وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين) (البينة: ٥)، وقال تعالى: (شرع لكم من الدين ما وصى به نوحا) (الشورى: ١٣).

وقال شيخُنا أبو العباس أحمد بن محمد بن منصور الجُدامي المعروف بابن المنير: إنْ قُلتَ ما موقع حديث عمر من الترجمة؟ وأين هو من بدء الوحي؟ فقال: أُشكِل هذا قديمًا على الناس، فحمله بعضُهم على قصد الخُطبة، والمقدمة للكتاب (٩/ و) لا على مطابقة الترجمة. وقيل: غير هذا.

قال شيخُنا: والذي وقع لي أنه قصده -والله أعلم- أنَّ (٢) الحديث اشتمل على أنَّ من هاجر إلى الله وحده، والنبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم كان مقدِّمةُ النُّبُوَّة في حقِّه هجرتَه إلى الله، وإلى الخلوة بمناجاته، والتقرُّب إليه بعباداته في غار حِرَاء، فلما ألهمه اللهُ صدق الهجرة إليه، وطلب وجدَّ وجد، فهجرتُه إليه كانت بدء فضله عليه باصطفائه، وإنزال الوحي عليه مُضافًا إلى التأييد الإلهي، والتوفيق الرباني الذي هو الأصل، والمرجع، والمبدأ، والموئل. (٣)


(١) شرح صحيح البخاري، لابن بطال (ج ١/ ٣١).
(٢) من هامش الأصل.
(٣) المتواري على تراجِم أبواب البخاري (ص ٤٨ - ٤٩).

<<  <   >  >>