للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

كان على الإنسان صلاةٌ مَقْضِيَّة لا يكفيه أن ينويَ الصلاة الفائتة، بل يُشترط أن ينويَ كونَها ظهرًا أو عصرًا أو غيرهما. ولولا اللفظ لاقتضى الأول صحة النيَّة بلا تعيين. (١)

وذكر الإمام تاج الدين السمعاني: أنَّ في قوله: "وإنَّما لامرئٍ ما نوى"، دلالة على أن الأعمال الخارجة عن العبادة قد تُفيد الثواب إذا نوى فاعلُها بها القُربة، كالأكل والشرب إذا نوى بهما القوَّة على الطاعة، والنَّوم إذا قصد به ترويح البدن للعبادة، والوطء إذا أراد به (١٨/ و) التعفف عن الفاحشة. (٢)

قال عليه السلام: "وفي بُضع أحدكم صدقة. قالوا: يا رسول الله، يأتي أحدُنا شهوتَه ويكونُ له فيها أجرٌ؟ قال: أرأيتَ لو وَضَعَها في الحرام، يكون عليه وِزْرٌ؟ قالوا: بلى. قال: فكذلك إذا وضعها في الحلال يكون له أجرٌ". (٣)

وقوله: "فمن كانت هجرتُه"، الهجرة: أصلُها التركُ. وهنا: تركُ الوطن.

والهجرة إلى الله ورسوله تقع على أمورٍ أحدها: الهجرة الأولى إلى الحبشة عندما آذى الكفارُ الصحابةَ. الثانية: هجرةٌ من مكَّة إلى المدينة. الثالثة: هجرة القبائل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ لتعلم الشرائع، ثم يرجعون إلى المواطن، فيعلِّمون قومهم. الرابعة: هجرةُ مَنْ أسلم من أهل مكة؛ ليأتيَ إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم يرجع إلى مكَّة. الخامسة: هجرةُ ما نهى الله عنه.

قال شيخُنا أبو الفتح: ومعنى الحديث، وحكمه: يتناول الجميع غير أنَّ السبب يقتضي أنَّ المراد بالحديث (١٩/ ظ) الهجرة من مكة إلى المدينة؛ لأنَّ مُهاجِر أُمِّ قيس هاجر من مكة إلى المدينة لا يريد بذلك فضيلة الهجرة، وإنَّما هاجر؛ ليتزوج أمَّ قيس،


(١) شرح النووي على مسلم (١٣/ ٥٤).
(٢) انظر: عمدة القاري، للعيني (١/ ٢٧) و فتح الباري لابن حجر (١/ ١٤).
(٣) صحيح مسلم (٥٣/ ١٠٠٦) عن أبي ذر.

<<  <   >  >>