للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

وإذا قال: ليس بجسم.

قيل: أتريد بذلك أنه لم يركبه غيره، ولم يكن أجزاء متفرقة فركب، أو أنه لا يقبل التفريق والتجزئة كالذي ينفصل بعضه عن بعض؟ أو أنه ليس مركبا من الجواهر المنفردة، ولا من المادة والصورة، ونحو هذه المعاني.

أو تريد به شيئا يستلزم نفي اتصافه بحيث لا يرى، ولا يتكلم بكلام يقوم به، ولا يباين خلقه، ولا يصعد إليه شيء، ولا ينزل منه شيء، ولا تعرج إليه الملائكة ولا الرسول، ولا ترفع إليه الأيدي، ولا يعلو على شيء، ولا يدنو منه شيء، ولا هو داخل العالم ولا خارجه، ولا مباين ولا محايث له، ونحو ذلك من المعاني السلبية التي لا يعقل أن يتصف بها إلا المعدوم.

فإن قال: أردت الأول:

قيل: المعنى صحيح، لكن المطلقون لهذا النفي أدخلوا فيه هذه المعاني السلبية، ويجعلون ما يوصف به من صفات الكمال الثبوتية مستلزمة لكونه جسما، فكل ما يذكر من الأمور الوجودية يقولون: هذا تجسيم، ولا ينتفي ما يسمونه تجسميا إلا بالتعطيل المحض؛ ولهذا كل من نفى شيئا يقول لمن أثبته: إنه مجسم: فغلاة النفاة من الجهمية والباطنية يقولون لمن أثبت له الأسماء الحسنى: إنه مجسم. ومثبتة الأسماء دون الصفات من المعتزلة ونحوهم يقولون لمن أثبت الصفات: إنه مجسم. ومثبتة الصفات دون ما يقوم به من الأفعال الاختيارية يقولون لمن أثبت ذلك: إنه مجسم، وكذلك سائر النفاة.

وكل من نفى ما أثبته الله ورسوله بناء على أن إثباته تجسيم يلزمه فيما أثبته" (١).

والتفصيل في الأمور المجملة ومنها الجسم هو منهج السلف رحمهم الله تعالى، مع ترجيحهم عدم إطلاق الألفاظ والمصطلحات غير الواردة في الشرع (٢).

أما القول بأن الجسم مركب من المادة والصورة فهذا قول الفلاسفة وقد رده جمهور العلماء بما فيهم الأشاعرة.


(١) منهاج السنة (٢/ ٢١١ - ٢١٤)، وانظر أيضا (ص: ٥٤٩).
(٢) انظر في لفظ "الجسم" وما فيه من الإجمال، والأقوال فيه، ومنهج السلف في إطلاقه: التسعينية (ص: ١٩٢ - ١٩٣)، نقض التأسيس - مخطوط - (١/ ١٢١)، ونقض التأسيس - مطبوع - (٢/ ٤٩٨ - ٤٩٩)، وشرح حديث النزول - مجموع الفتاوى (٥/ ٤٢٠ - ٤٣٤)، درء التعارض (٤/ ١٣٤ - ١٣٩) - ط جامعة الإمام، والرسالة الأكملية - مجموع الفتاوى (٦/ ١٠٢ - ١٠٤).

<<  <   >  >>